علي الخزيم
- تحدثوا بمجلس عن ثَرِي أو رجل أعمال يلومونه على ما وصفوه بالإسراف بتكاليف رحلاته السياحية، وتنقلاته بين المنتجعات والفنادق، وما يصاحب هذا من صور ومقاطع لاستقباله ثُلَّة من أصدقائه ومعارفه وما يُقدَّم لهم من الطيبات، وملاحظات إضافية متشعبة، وعندها خرجت عن التزامي بحكمة شاعر العراق الكبير الجَواهِري: (وحين تَطغَى على الحرَّان جَمرته+ فالصَّمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليه فَمُ).
- قلت وعن معرفة بأحوال الرجل: إنه فاضِل يُحب أعمال الخير، يحرص على الصدقات والبِّر بأهله وذويه، ولا يُقصِّر عن إعانة من يَعلم أن حالته تستدعي بحق العون، ثم إنه مستقيم بعلاقاته الطيبة مع كل من عرفه، ويؤدي واجباته الدينية باعتدال لا شطط ولا تفريط، وأضفت: إنه والحال هذه فيحق له الاستمتاع بما وهبه الله سبحانه من نعمة الصحة والمال والجاه، أليس كذلك؟!
- قال قائلهم: لا؛ بل يجب توجيه هذه المصروفات السياحية أو جلَّها لأعمال الخير والبر وبناء المساجد، وغيرها من الأعمال الطيبة، وإن تَصرفات مثل هذا الرجل الغني لا تدل على ورع وزهد واستقامة، وأنه يجب أن يكون قدوة لغيره، لئلا ينفرط عقد أعمال الخير وإعانة المحتاجين، وكأنه لم يسمع الكلام عن استقامة الرجل وأعماله الخيرية منذ دقيقة! ويتضح من اللهجة المسموعة الحِدَّة بالتعاطي مع مثل ذلك الرأي المُتطرف تجاه كل من يستمتع بحلاله وماله!
- تَلمَس من آراء وأحاديث (بعض) من يتصدرون المجالس وبعض من يمارسون الثرثرة بمقاطع مصورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنهم أوصياء على الناس والمجتمع كافة، يُقررون من هو الفاسق والمُبَذر وإخوان الشياطين والمسرفين، وأن من لم يُطبِّق آراءهم فهو ضال عن السراط المستقيم، ويُخشَى عليه من الولوج بظلمات الجحيم، والأعجب إيمانهم الشديد الواثق بأن طرحهم هو صواب لا يخضع للنقاش والمُمَاراة.
- هل يلزم الثَّري (وغير الثَّري) أن يعلن عن ترتيب لقاء أو مُنتدى يجمع مثل أولئك المُنظِّرين لإبلاغهم بحجم صدقاته وبذله بوجوه الخير والدعم للمشروعات الخيرية، لينال رضاهم وليصمتوا عن متابعته وتقييم رحلاته وطريقة سياحته ومأكله ومشربه، أم يريدون قوائم تُنشر عبر مكتبه الخاص ليطلعوا عليها متى أرادوا التدقيق بشأن أعماله الخيرية؟ وهل تتفق مع إنفاقه على سياحته ومناسباته الداخلية؟! متى كانت وصايتهم وهم المأمورون بعدم التجسس على الناس؟
- من نوافل القول إن الشرع الحكيم قد حَذَّر من تَتَبُّع خصوصيات وعورات الناس وكشف أحوالهم؛ وإن الأمر منوط بحسن التناصح دون الجهر على الملأ، وأن التوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة هي الأجدى دوماً، وحَذَّر علماء الدين من تسخير التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة لتتبع عورات الناس وكشف سترهم، مؤكدين أن ذلكم أمر نهى عنه الإسلام وتوعَّد فاعليه بالعقاب في الدنيا والآخرة.
- وبَقِيَت إشارة إلى أن بعض أولئك المُتنطعين المُتَفَيقِهين لو سُلّطت عليهم العيون والألسنة لتوفرت ملاحظات سلبية، وقد تكون بدرجة محذورات شرعية، فالكمال لله سبحانه، فلا تجعلوا من ذممكم وأنفسكم عرضة للسخط من رب العباد، ولتكن الاستقامة بأفعالكم وسلوككم لا بأقوالكم.