محمد سليمان العنقري
لم يكن يعلم الكاتب التشيكي كارل تشابيك أنه عندما أدخل إلى قواميس العالم كلمة «روبوت» عام 1920م عبر روايته «رجال رسوم الآلية العالمية» التي تتحدث عن رجال حديديين يقومون بمهام عوضاً عن البشر أنه قد وضع حجر الأساس لواحد من أهم التحولات التي تعيشها البشرية حالياً وبعد قرابة الـ 100 عام من تاريخ كتابته لروايته, فالروبوتات اليوم ليست كما كانت مجرد أفكار تخيلية في روايات أو تجسد في أفلام أو مسلسلات بل أصبحت واقعاً نتعايش معه وقوة تضاف لرأس المال العامل, وإذا كانت قد أدخلت للمصانع قبل عقود قليلة قبل أن تتحول للبرمجيات الذكية لكننا نعيش طفرة غير مسبوقة في التوجهات لاستخداماتها بل باتت الحل لتطوير الكثير من الأعمال وأدخلت لقطاعات عديدة كالخدمات والصحة والتعليم وغيرها.
فماذا لو أرادت الروبوتات أن توجه رسالة عن تطورها القادم ومستقبل استخداماتها حسب التصورات التي بنيت عليها أبحاث عديدة إلى صانعي سياسة التعليم, فالعالم اليوم يتحول سريعاً للاقتصاد الرقمي، والتوسع بالذكاء الاصطناعي الذي يبلغ حجمه حالياً 100 مليار دولار ويتوقع أن يصل في بحر 15 عاماً قادمة إلى حوالي تريليوني دولار أميريكي كواحد من أسرع التقنيات نمواً بحجمه واستخداماته, وبما أن المملكة تنفذ أكبر خطة تحول استراتيجي في اقتصادها المتمثلة في رؤية 2030 التي تتماشى مع التطور العالمي اقتصادياً الذي يعتمد على التقنية بكل تفاصيله, فإن أهم ما يمكن أن تقوله الروبوتات في رسالتها لمسؤولي التعليم بالمملكة إنه غالباً لن يبقى نشاط أو قطاع إلا وسيكون الروبوت الذكي لاعباً رئيسياً في تشغيله, وإن أي تخصص أو مهنة أو حرفة سيكون للذكاء الاصطناعي والآلة دور في المشاركة بأعمالهم بل إن الإنسان سيتحول لمشغل ومطور للتقنية بينما هي من تتولى عمله الحالي فلا يكفي أن تدرس الطب أو الهندسة أو المحاسبة أو تخصصاً تربوياً أو زراعياً أو صناعياً لتجد عملاً في المستقبل بل يجب أن تكون تقنياً بالدرجة الأولى لأنني كروبوت سأكون مبرمجاً للقيام بتلك الأعمال عنك, إذ شاهدتم كيف تجرى عمليات جراحية بتدخل من روبوتات أو قيام مدرس بإلقاء محاضرة أو مزارعون آليون ينفذون أعمالاً ميدانية بأكبر المزارع بل حتى الأبحاث تطورت كثيراً لاستخدام الروبوتات في أعمال عديدة كالإنقاذ وإطفاء الحرائق وأعمال عسكرية نوعية كل ذلك لتقليل المخاطر على الإنسان بالإضافة للعامل الأهم وهو تقديم أفضل الأعمال بإنتاجية عالية دون توقف في المصانع وفي أي مجال يمكن استخدامنا فيه, فالأبحاث تبشر بإلغاء ملايين الوظائف التقليدية لأننا سنحل مكانها بآليات ومنهجية برمجة متطورة فصحيح أن لنا سلبيات فنحن قد لا نملك مرونة عقول البشر بالتعامل مع أي ظروف لأننا مبرمجون على أعمال ومهام محددة لكن التطوير المستمر بالبرمجيات سيقلص من هذه الفجوة مع البشر فأهم ما يجب التركيز عليه هو التحول بمسارات التعليم العام تحديداً ومن مراحل مبكرة نحو توسيع العلوم والتجارب التي تؤسس أجيالاً جاهزة للتعامل مع تقنيات المستقبل ولا يكتفى بمناهج تعريفية أو نظرية فقط، أما في الجامعات فلابد من تسريع التحول لمناهج وأساليب تعليم تخرج الطلاب بأي تخصص بمهارات تقنية تتماشى مع آخر ما توصل له علم الذكاء ااصطناعي والروبوتات تحديداً, فالتنافسية القادمة هي بالتكنولوجيا الحديثة وأسرارها وجيش العاملين من الروبوتات الذين يضيفون قوى عاملة مجهزة ومؤهلة تعمل تحت أي ظرف وبذلك تزداد الإنتاجية وتتقلص التكاليف فنحن سنساعد البشر على حياة أكثر جودة وإيجاد الحلول السريعة لكل الاحتياجات, فالدول والشركات التي أنفقت مئات المليارات من الدولارات على البحث العلمي لتطوير الذكاء الاصطناعي واستخدام الروبوتات لم تقم بذلك لمجرد التجارب بل لأنها تؤسس لمستقبل جديد في عالم الأعمال وتشغيل القطاعات وتعزيز التوجه للتوسع باستخدامها.
وزارة التعليم قامت بسلسلة مهمة وواسعة من التطوير وإصدار الأنظمة لتلبية احتياجات القطاع خلال السنوات القليلة الماضية إلا أن الرحلة مازالت ببدايتها فتطور التعليم بمختلف الجوانب عملية لا تتوقف خصوصاً مع تسارع استخدام التكنولوجيا إذ تدخل حياة البشر مرحلة جديدة كلياً مع توسع استخدام الروبوت الذي سيحل مكان الكثير من الوظائف والتي تقدر بحوالي 85 مليون وظيفة في بحر السنوات العشر قادمة لكن ذلك ليس إلا البداية فقط, فالدول بدأت تتجهز بوضع القوانين الناظمة لأخلاقيات استخدامات الذكاء الاصطناعي والروبوتات عموماً لكن ماهو مهم أن المستقبل بات مكشوفاً أكثر على احتياحاتنا من مخرجات التعليم والتدريب ورفع كفاءة الإنفاق فعلياً فالتعليم هو أن تكون المخرجات تستبق التطورات التي تتجه لها سوق العمل.