عبدالرحمن الحبيب
قبل تسعة أشهر، أطلق عليه «قاتل جوجل».. إنه روبوت المحادثة تشات جي بي تي المطوَّر (التابع لشركة مايكروسوفت) الذي يعمل من خلال التنبؤ بالكلمة التالية في الجملة التي تكتبها في استعلامك، مستنداً على نموذج لغة هائل الضخامة يحلل مليارات النصوص من الإنترنت. الفرق في هذا الروبوت أنه يمكنه إنتاج إجابة مكتوبة بوضوح بدلاً من مجرد عرض قائمة من الروابط التي تقدمها جوجل المهيمنة على محركات البحث على مدار العقدين الماضيين.. هذا الروبوت «أشبه بشخص آخر يقرأ نيابة عنك ويخبرك بالمعلومات المفيدة» كما تقول بيث سينغلر، من جامعة زيورخ. إنما جوجل ردت استباقياً وكشفت الفابيت (التابعة لجوجل) عن روبوت المحادثة الخاص بها «بارد»..
سبق أن تمت مناقشة هذه المنافسة حينها، بين نموذج «تشات جي بي تي» ونموذج «بارد»، أيهما ينتج معلومات واقعية أفضل؟ فما الذي يحصل الآن، وهل كان الأول على وشك القضاء على الثاني حتى قيل أنه سيفترسه؟ الإجابة الأولية السريعة: كلا، بل إن أرباح الثاني زادت.. في 25 يوليو، أعلنت جوجل عن مجموعة أخرى من النتائج الفصلية القوية. ارتفعت إيرادات شركة الفابيت بنسبة 7 % على أساس سنوي لتصل إلى 75 مليار دولار.. لم يأخذ محرك بينج (التابع لمايكروسوفت) أي فائدة ملحوظة من حصة جوجل في استعلامات البحث الشهرية العالمية، والتي لا تزال أعلى من 90 %.. حسب تقرير مجلة الإيكونيميست.
الأهم من ذلك، أن جوجل قد تخلصت من فكرة مرعبة لها بأنها تخلفت عن الركب التكنولوجي، إذ عملت على نموذج ذكاء اصطناعي لتخطي تشات جي بي تي، بخطى أسرع من المتوقع، فبعد أن انخفضت القيمة السوقية لشركة الفابيت تقريبًا إلى ما دون 1 تريليون دولار في نوفمبر، عادت القيمة إلى 1.7 تريليون دولار، حسب تقرير الإيكونيميست التي تتساءل: هل انتهت أزمة جوجل؟ وتجيب: على الأرجح، نعم على المدى القصير، لكن مثل كل لحظات الرعب، فإن ذعر روبوت الدردشة يدعو إلى أسئلة أوسع: حول الوضع الحالي لواحدة من أكبر الشركات في العالم، ومستقبلها مع بلوغ جوجل نحو ربع قرن حول متطلبات مراحل قادمة ومختلفة.
الرئيس التنفيذي لجوجل بيتشاي وأعوانه يطرحون بعض التخوف على الوضع, فلماذا هم قلقون بعد كل هذه الأرقام المذهلة، وتجاوز جوجل خطر المنافسة في التطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي ورغم هيمنتها على السوق الرقمي؟ الجواب هو أن طريقة البحث تغيرت، فليست المسألة في الذكاء الاصطناعي فقط بل الأعمال الأساسية للإعلانات الرقمية التي في طريقها للنضج، حيث يتباطأ نمو المبيعات ولم يعد مرتبطًا بشكل متزايد بالدورات الاقتصادية.
على الرغم من أن البحث في جوجل لا يزال مربحًا للغاية، مع هوامش تشغيل تقارب 50 % وفقًا لمبحث بيرنشتاين، فإن الطريقة التي يبحث بها الناس عن الأشياء على الإنترنت تتغير. حالياً، لا تبدأ معظم عمليات البحث عن المنتجات هذه الأيام على جوجل بل على أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية. وفقًا للمديرين التنفيذيين في جوجل، يسعى 40 % من المراهقين والشباب للحصول على توصيات لأشياء مثل المطاعم أو الفنادق على تيك توك، أو تطبيق فيديو قصير، أو إنستجرام..
بالنسبة إلى البحث، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي (الذي ينشئ مجموعة متنوعة من البيانات، مثل الصور ومقاطع الفيديو والصوت والنصوص والنماذج ثلاثية الأبعاد) لا يبشر بالضرورة بوفرة مالية، فرغم أن الدردشة مع الذكاء الاصطناعي تبدو طبيعية وجذابة، لكن لا يتخللها الإعلانات. اليوم، يتم الدفع لشركة جوجل عندما ينقر المستخدمون على الروابط المؤدية إلى المواقع التجارية التي تظهر بجوار الردود على طلبات البحث. بمجرد حل المشاكل التكنولوجية مع الذكاء الاصطناعي التوليدي - في غضون عامين أو ثلاثة - يعتقد الخبراء أنه سيكون أمام جوجل خيارٌ صعبٌ يذكرنا بـ»معضلة المبتكر»، وهي نظرية طرحها كلايتون كريستيانسن والتي تجادل بأن شاغلي المناصب يترددون في الابتكار إذا كان يعرض أسواقهم الحالية للمجازفة. لحل ذلك يمكن أن تعرض جوجل إعلانات أقل وتفرض رسومًا أكبر على المعلنين، لكن هؤلاء قد يرفضون أو الأسوأ من ذلك، قد يوقفون التعامل مع جوجل.
علاوة على ذلك، فإن أمازون، ومايكروسوفت على وجه الخصوص، وهما أكبر منافسين لجوجل، لديهما علاقات قوية سابقة مع عملاء الشركات. على النقيض من ذلك، لا تمتلك جوجل عنصرًا أساسيًا بين الشركات في هيكلها. ربما قبل عشر سنوات كانت جداول بيانات جوجل هي الأفضل في العالم، كما يقول مسؤول تنفيذي سابق، لكنها حسب تعبير الإيكونيميست «فشلت في تناول طعام فاخر» يكفي لكبار مسؤولي المعلومات للترويج لبرنامج جداول البيانات الإلكترونية.
أخيرًا، وبالعودة إلى المنافسة بين نموذج «تشات جي بي تي» من مايكروسوفت ونموذج «بارد» من جوجل، فإن المشكلة أن كل روبوتات المحادثة بها ثغرات وعيوب وأخطاء في المعلومات، فمن منهما سيتفوق على الآخر ويتطور أسرع؟ يقول البروفيسور غاري ماركوس: «نظرًا لأن أيًّا من الشركتين لم تخضع منتجاتهما بعد لمراجعة علمية كاملة، فمن المستحيل تحديد أيهما أكثر جدارة بالثقة». إنما الأشهر القادمة أو السنتان القادمتان قد تجيب على السؤال..