رمضان جريدي العنزي
السعادة ليست في الغنى والثراء وكثرة المال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث والمظاهر والشكليات وهوى النفس وشبع البدن، والعقار والقصور الفخمة والمركبات الفارهة وامتلاك وسائل الرفاهية والراحة والجاه والمنصب والشهرة والرئاسة وحب الاستعلاء والتبختر، السعادة في العبادة والإيمان والرضا والقناعة والصحة والسلامة والعافية والذكر والبر والإحسان والأعمال الصالحة التي تزدان فيها الصحائف، وتطمئن بها القلوب، وتسكن فيها الأرواح، قال تعالى في محكم كتابه العزيز: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، إن السعادة هدف سام ينشدة كل الناس، ويبحثون عنه، مثقفا كان أم عاميا أو صعلوكا، لا أحد يحب حياة النكد والشقاء والتعب، بل كلهم يرنو إلى السعادة والهناء وراحة البال والبدن، إن الماديات بعيداً عن الروحانيات لا تجلب السعادة لأحد أبداً، فكم شقي بماله، وكم شقي بولده، وكم شقي بزوجه، وكم شقي بمنصبه، وكم شقي بوجاهته، وكم شقي بلعبه ولهوه وسفره، وكم شقي بشهادته، إن السعادة أمر معنوي محسوس وملموس، لا تقاس بالكم والكيف، ولا تشترى بالمال، لا يمتكلها أحد دون أحد، ولا يمكن أن ينتزعها أحد من أحد، إن الإيمان والأعمال الصالحة بكل تنوعاتها هي السعادة الحقيقية، وما غيرها من من أعمال تجلب المنغصات، والاضطرابات الاجتماعية والأمراض النفسية، إن المؤمن الحقيقي تغمره السعادة، لأنه يؤمن بأقدار الله عز وجل، فلا ييأس ولا يستعلي ولا يبطر ولا يستسلم للخيبات والنكسات والانكسارات ولا يهلك نفسه تحسراً وأسفاً وأسى، عنده استقرار نفسي، وبرد يقين، ورباطة جأش وطمأنينة وسكينة، لا يعرف الخوف والاضطراب والهلع، لا يزلزله الجزع، ولا يرهقه القلق، حياته كلها نشاط وهمة وكفاح واجتهاد، إن الشاكين الساخطين المتبرمين لا يذوقون للسعادة طعماً، ولا يعرفون للسرور والحبور طريقاً، حياتهم سواد ورماد، نهارهم معتم، وليلهم حالك، دائمو الحزن والكآبة، وضيق النفس والصدر، إن الحياة حلوة نظرة، لكن على الإنسان لكي يحيا حياة طيبة هنيئة، أن يفهمها ويعيها ويعيشها بكل لحظاتها بعيداً عن السوداوية والرماد والتذمر والشكوى.