د.عبدالله بن موسى الطاير
عاد العالم وبسرعة كبيرة إلى ممارساته وسلوكياته المعتادة قبل فيروس كورونا، الشعور بالأمان بسط ظله بعد شعور مريع بالخوف. فهل هذا الشعور بالأمان حقيقي، أم هو رد فعل مؤقت على حالة من عدم اليقين عصفت بالعالم؟ تحذيرات من أوساط أكاديمية أمريكية من الركون لشعور الطمأنينة الذي ينتاب الأمريكيين على وجه التحديد، وتذهب التحذيرات الموثوقة إلى نسف المعتقدات الراسخة بأن أمريكا لن تكون بحال من الأحول الموطن الأصلي لجائحة جديدة أشد وطأة من كوفيد؛ علماء أمريكا وباحثوها من أرقى المراكز الأكاديمية لهم وجهة نظر مختلفة؛ فالوباء القادم قد يكون أمريكياً، ومن مسبباته التساهل في التعامل مع الحيوانات وتلك المستورة بشروط صحية أكثر مرونة.
وفقاً للسجل البريطاني الوطني للمخاطر تواجه المملكة المتحدة تشكيلة واسعة ومنوعة من المخاطر، بما في ذلك تهديدات للحياة، والصحة، والمجتمع، والبنية التحتية الحيوية، والاقتصاد والسيادة. وبحسب تقريره الذي صدر حديثاً في حوالي 200 صفحة، قد تكون المخاطر غير مدبرة، مثل الحوادث أو الكوارث الطبيعية، وقد تكون تهديدات تآمرية من جهات شريرة تسعى لإلحاق الضرر بالبريطانيين.
رصد السجل الوطني للمخاطر في المملكة المتحدة التهديدات التي سيكون لها تأثير كبير على سلامة البلاد وأمنها، وأنظمتها الحيوية وتضمن معلومات 89 تهديداً مصنفة تحت 9 مواضيع مختلفة، على الرغم من أن العديد من المخاطر يمكن تصنيفها ضمن أكثر من موضوع (ثيم) واحد؛ تمثلت مجالات التهديد في الإرهاب، الأمن السيبراني، التهديدات الدولية، الجغرافيا السياسية، الحوادث وفشل الأنظمة، المخاطر الطبيعية والبيئية، الصحة البشرية والحيوانية والنباتية، المجتمع، فالصراع وعدم الاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه المملكة المتحدة مجموعة من التحديات «المزمنة» والخطيرة، وهي تؤدي تدريجياً إلى تآكل الاقتصاد والمجتمع، ونمط الحياة والأمن القومي. وتعد الحكومة البريطانية سيناريوهات لأسوأ الاحتمالات، ولا تتعامل مع القادم الأسوأ على أنه احتمالات، وإنما على أنه وشيك، وفق مستوى تدميري معين، وتقيّم جاهزيتها على هذا الأساس.
وتبين الوثيقة المنشورة أنَّ «السيناريو الأسوأ احتمالاً يفترض أن الحرب والاضطرابات السياسية أو سبباً آخر ستؤثر بشكل كبير على إمدادات النفط العالمية، مما يؤدي إلى زيادة أسعارها بشكل كبير عالميّاً». من ناحية أخرى، أُدراج الذكاء الاصطناعي واحداً من أربعة تهديدات محدقة للمرة الأولى، إلى جانب التهديدات المزمنة كتغير المناخ ومقاومة الميكروبات، والجريمة المنظمة الخطيرة. وتقرر الحكومة البريطانية في السجل المنشور أن الذكاء الاصطناعي ينذر بمجموعة من المخاطر المحتملة مدعومة بحالة عدم اليقين بشأن تحولات الذكاء الاصطناعي.
ولأن تفجير خطوط إمداد الغاز الروسي في أعماق البحر حاضرة في أذهان معدي التقرير، فإنه رصد المخاطر التي تهدد الكابلات البحرية للاتصالات للمرة الأولى في قائمة المخاطر، حيث حذرت الحكومة من أن تلك الكابلات معرضة للهجمات. ويتطرَّق التقرير أيضاً إلى تهديد بعيد الاحتمال- لكنَّه قد يكون مدمِّراً - تسببه هجمات الطائرات بدون طيّار على البنية التحتية البريطانية.
ووفقاً للوثيقة الحكومية، يوجد احتمال «كبير» أي ما بين 5 و25 بالمئة أن يحدث فعلاً - لحدوث «تقدير خاطئ في مجال الطاقة النووية لا يشمل المملكة المتحدة»، وتشتمل هذه الاحتمالية العالية عرقلة إمدادات الطاقة العالمية، وفيروسات مميتة قد تتسرَّب من المختبرات، وتصيب نصف سكان المملكة المتحدة وتقتل نحو 800 ألف شخص، إلى جانب أن الطقس المتطرِّف المرتبط بأزمة المناخ صُنف من بين المخاطر الجدية التي تواجه المملكة المتحدة، وفقاً للتقييم الحكومي.
المملكة المتحدة تحضر نفسها لسيناريوهات سيئة تسببها بعض التهديدات الجدية التي تواجه البلاد. إلى جانب وباء المستقبل، و»فدية الطاقة لبوتين»، تشمل المخاطر الرئيسية الأخرى المذكورة في السجل الوطني الإمكانية المحتملة للاستخدام الشرِّير للطائرات بدون طيَّار والهجمات السيبرانية على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية.
عالمنا واجه واحدة من أخطر التهديدات في قرنه الواحد والعشرين وهي كوفيد-19، ومخطئ من يلوذ بالأمان العارض الذي أعقب انحسار الوباء، ذلك أن مختبرات إنتاج الفيروسات تعمل بكامل طاقتها، والدمار النفسي والمادي الذي أحدثته كورونا (كوفيد-19) يفوق القنابل والأسلحة النووية، ولذلك فإن أي سلاح تدمير شامل لا يمكن أن يحقق نسبة ضئيلة مما يحققه فيروس هارب، أو تم تهريبه من المختبرات. فإذا جمعنا هذا التهديد إلى تهديدات الذكاء الاصطناعي الذي يتقاطع مع مجمل التهديدات، فإن الدول لا يجب أن تطمئن وتركن إلى الراحة.