بَعَّدْتُمْ عَنْ العَيْنِ فَاِزْدَادَ حُبُّكُمْ
وَغِبْتُمْ وَأَنْتُمْ فِي الفُؤَادِ حُضُورُ
رحم الله الشيخ الفاضل سلطان بن إبراهيم العيدان الذي انتقل إلى الدار الباقية يوم الثلاثاء 14-1-1445هـ، وأديت الصلاة عليه بعد صلاة عصر يوم الأربعاء في جامع الجوهرة البابطين بالرياض، ثم حٌمل جُثمانُهُ إلى محافظة حريملاء مهوى رأسه حيث ووُرِيَ في مقبرة «صفية»، وشيعه جموع كثيفة تُبودلت فيها التعازي والترحم على الشيخ الفقيد سلطان العيدان. وقد عَانَ في مرضه مدةً طويلة - غفر الله له وأسكنه فسيح جناته - تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً:
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
وكانت ولادته في حريملاء عام 1369هـ، وفقد بصره مبكراً إلا أن ذلك لم يعقه، حيث وهبه الله نفاذ البصيرة وذاكرة قوية ورغبة في العلم؛ أذكر أنه حينما أراد الالتحاق بالمدرسة الابتدائية كانت هناك معوقات في قبول كفيف البصر..، وقد كُنتُ خلال تلك الفترة مديراً لمعهد المعلمين بحريملاء ومٌشرفاً على المدرسة الابتدائية. وتم - بحمد الله - استثناءه وقبوله ضمن طلاب المرحلة الابتدائية، وذلك لما يتمتع به من ذكاء وفطنه، ولعدم وجود مدارس خاصة بالمكفوفين بحريملاء ولصعوبة انتقاله للرياض آنذاك. ولا شك أن هناك عدد من فاقدي البصر كانوا من كبار العلماء أمثال مشايخنا الأجلاء الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، وغيرهم من المشايخ الأجلاء، ولله درء الأستاذ علي الجندي الشاعر المصري القائل:
فرٌبَّ ضرير قادّ جيلاً إلى العلا
وقائدُه في السير عُودٌ من الشجر
وكم من كفيف في الزمان مُشَهَّرٍ
لياليه أوضاحٌ، وأيامه غُررْ
وكان الشيخ سلطان رحمه الله عصامياً مكافحاً شق طريقه في الحياة بتوفيق من الله؛ فكان عنده من الطموح ما يفوق فيه المبصرين. ففي بداية شبابه خدم والديه بما يستطيع ثم لزم الشيخ عبدالرحمن البدر - رحمه الله - فحفظ على يديه أجزاء من القران الكريم أثناء دراسته في المرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى الرياض في الثمانينيات الهجرية واستقر مع أخويه: عيدان (رحمه الله) وأخيه عبدالله، وعاشوا جميعاً تلك الفترة متعاونين متكاتفين، وقد واصل الفقيد دراسته في المعهد العلمي التابع لجامعة الأمام محمد بن سعود والمرحلة الجامعية بكلية الشريعة بالرياض وتخرج منها عام 1391هـ. وقد عُين مدرساً بمدرسة أبي حنيفة المتوسطة بالرياض، وانتقل منها إلى متوسطة الرازي واستمر بالعمل حتى تقاعد عام 1429هـ. وكان إمام للمسجد الواقع جنوب مستشفى الشميسي منذ عام 1394هـ ولفترة تجاوزت العشر سنوات، كما كان يؤم بعض الأسر في شهر رمضان المبارك لعلمهم بورعه وتقواه.
كما لا أنسى والده إبراهيم - رحمه الله - الذي هدَّأ من رَوْعي وطمئنني عندما أٌصيب والدي الشيخ العالم الجليل عبدالرحمن بن محمد الخريف - في حادث سيارة بن دريويش في أحد منحدرات الجبال المطلة على حريملاء المتاخمة لبلد «سدوس» جنوب حريملاء.
ولنا مع الشيخ سلطان ذكريات جميلة، حيث جمعتنا رحلة الحج في أواسط التسعينات مع القائد الحاذق محمد بن عبدالرزاق بسيارته ذات الغمارتين..، وكنت مصاحباً ومرافقاً مع والدتي الحنون - رحمها الله - وكان يرافق الشيخ سلطان والده إبراهيم وزوجته «أم عبدالعزيز»، فكل الذكريات قد تتلاشى وتنمحي من مستودعات الذاكرة إلا الذكريات مع رفاق الحج، فما أحلاها من مواسم وأيام جميلة.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وأخيه عبدالله وأسرة آل عيدان ومحبيه الصبر والسلوان.
خَتَمتُ عَلى وِدادِكَ في ضَميري
وَلَيسَ يَزالُ مَختوماً هُناكا
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف