عادل علي جودة
كنا على وعد اللقاء في عمان الغالية، وكان الموعد قد تحدد مبدئيًّا ليكون مع إطلالة شهر أغسطس 2023م، كل منا يترقب لقيا الآخر، لكنني كنت الأشد اشتياقًا، فجلسته لا تمل على مختلف تفاصيلها؛ فحديثه له سماته الخاصة؛ دقة دونما تصنُّع، نقاء بلا حدود، شمول دونما اجتزاء، ولديه ثقافته اللافتة بما يمتلكه من مخزون ثقافي يثري الجليس، فهو لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويقرنها بأمثالنا الشعبية التي نعتز بها أو يدلل على ما يحاكي أحاديثه من أبيات شعرية منتقاة بعناية من قصائد كبار الشعراء.
كنا على موعد، والموعد يقترب ببطء شديد، نترقبه شهرًا بشهر، ويومًا بيوم، وساعة بساعة، وها هو قد اقترب جدًّا إذ لم يتبق عليه سوى عشرة أيام، حتى جاءت الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الأحد 23 يولية 2023م، حيث كنت في مكتبي أواصل أداء أعمالي، وإذ برسالة واتساب من زوجتي الغالية تقول فيها: «عظم الله أجرك في أبو غالب»، ويا لها من أوقات عصيبة مررت بها وأنا أتحسس قلبي ينقبض حزنًا على إنسان ملأ محبته كل أركاني. هاتفتها على الفور لأجد أحزاني وصلت إليها؛ فهي تعلم حجم محبتي له واشتياقي، فقلت لها بصوت باكٍ: «أوجعت قلبي يا نعمة».
كنا على موعد وفقًا لحساباتنا نحن البشر، لكننا ندرك تمام الإدراك أن الأمر بيد الله جل في علاه، ونؤمن حق الإيمان بقضائه وقدره، ونستعد بيقين عميق لإرادته سبحانه.
نعم، إنه الكبير «أحمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد القادر بن عبد الرحيم بن محمد بن محمد جودة؛ أبو غالب»؛ وقد رحل. وحينما يرحل الأحبة ترتجف القلوب، وتدمع العيون، وترتبك الجوارح، وتدب الحيرة في الأركان.
لا إله إلا الله
لقد رحلت يا أبا غالب
رحلت يا نبع الكرم ويا سيد الوفاء
رحلت وأنت لست فقط ابن العم الحبيب، إنما أيضًا والأخ الغالي، والصديق القريب.
رحلت، لكنك لن تغيب إلا جسدًا، أما طيفك فسيظل مرفرفًا يداعب رسمك الساكن في قلوبنا وعيوننا.
غفر الله لك يا أبا غالب، وأسبغ عليك شآبيب رحمته، وأسكنك فسيح جنانه.
وعظم أجر إخوتك، وأفراد أسرتك كل باسمه، وعظم أجري وأجر أسرتي، وأجر عائلتنا الكبيرة (آل جودة) في فلسطين، وفي الأردن، وفي كل مكان، وأجر الأحبة والأصحاب على مشاعرهم الندية ومواساتهم الصادقة فجزاهم عني خير الجزاء.
رحمك الله يا أبا غالب، وصبر قلوبنا على فراقك، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا لفراقك يا أبا غالب لمحزونون.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}