د.علي آل مداوي
تحقق الدبلوماسية السعودية نجاحات باهرة ومهمة يوماً تلو الآخر، وبات دورها لافتًا وحيويًا، ومواقفها الراسخة نحو إحلال الأمن والاستقرار والازدهار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وثقل سياسي واقتصادي وشراكات متينة، وموثوقية دولية، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي المتميز في قلب قارات العالم، وتطل على الخليج العربي والبحر الأحمر.
فالمملكة العربية السعودية دولة كبيرة وفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، ومكانتها الروحية في أفئدة المسلمين في أصقاع العالم، عضو مؤثر وحيوي في مجموعة العشرين، كما تمثل أكبر قوة اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، كما أنها باتت وجهة سياحية عالمية.
وباتت دبلوماسيتها مؤثرة، فقد شهدت مدينة جدة أخيراً زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، وما شهدته من محادثات، أثمرت تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك، وعمل دبلوماسي دؤوب مكثف، وجمع زعماء الدول وقاداتها ثمرة طبيعية لجهود نشطة وتوافقات متعاقبة أعطت القمم قيمتها، تألق الدبلوماسية السعودية في تنظيم إدارة القمم الإقليمية والدولية وفتح مجالات الحوار والتشاورات حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والعالمية، قمة جمعت بين دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضاً دول وسط آسيا الخمس أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان، لأنها قمة أعطت تعاونًا جديدًا لتكتلين إقليميين مهمين على الصعيد الدولي، بإمكانات كبيرة وآفاق أرحب للتعاون والتنمية المشتركة، كما رأس صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وفد المملكة المشارك في مؤتمر التنمية والهجرة المنعقد في العاصمة الإيطالية روما، وسنتناول أبرز إنجازات الحراك الدبلوماسي السعودي وهي كالتالي:
علاقات ثنائية مشتركة بين الرياض وأنقرة
صدر بيان مشترك في ختام زيارة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس جمهورية تركيا للمملكة، ووفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس) ذكر البيان: «انطلاقًا من الأواصر الأخوية والعلاقات المتميزة والروابط التاريخية الراسخة التي تجمع بين قيادتي المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا وشعبيهما الشقيقين، قام رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية بتاريخ 29/ 12/ 1444هـ الموافق 17/ 7/ 2023م.
وعقد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - مع رئيس جمهورية تركيا في قصر السلام بجدة، جلسة مباحثات رسمية، استعرضا خلالها العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين وسبل تطويرها في كل المجالات، وتم تبادل وجهات النظر حول مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة.
وأكد الجانبان أهمية استكمال إجراءات تفعيل مجلس التنسيق السعودي التركي، والعمل على تطوير مشاريع ومبادرات مشتركة وتنفيذها في إطار المجلس».
كلمة سمو ولي العهد
شاهدنا كيف غطى الإعلام الإقليمي والدولي القمم وحازت أهمية خاصة كافة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي استضافتها أخيراً جدة، ولا شك أن كلمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - في افتتاح القمة كان له الأثر الأبرز، حيث كشف سموه عن «مدى عمق العلاقات الأخوية التاريخية، والعمل لتعزيز وبناء علاقات لتنمية اقتصادية مشتركة، وتأتي قمتنا اليوم امتداداً لهذه الروابط، لتأسيس انطلاقة واعدة تستند إلى ما نملكه من إرث تاريخي، وإمكانات وموارد بشرية ونمو اقتصادي، أسهم في أن يبلغ الناتج المحلي لدولنا ما يقارب (2.3) تريليون دولار، ونتطلع إلى العمل معاً لفتح آفاق جديدة؛ للاستفادة من الفرص المتاحة، للتعاون المشترك في جميع المجالات.أصحاب الفخامة والسمو إن التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم تستلزم بذل جميع الجهود، لتعزيز التعاون بين دولنا لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقتنا. وفي هذا الشأن نؤكد على أهمية احترام سيادة الدول واستقلالها وقيمها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وضرورة تكثيف الجهود المشتركة؛ لمواجهة كل ما يؤثر في أمن الطاقة وسلاسل الإمدادات الغذائية العالمية. وإننا إذ نبارك اعتماد خطة العمل المشتركة، بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للمدة (2023 - 2027م)، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين قطاع الأعمال في دولنا، لنؤكد استمرارنا في بحث جميع السبل؛ لندفع العلاقات بيننا نحو المزيد من التعاون الوثيق».
قمة مجلس التعاون وآسيا
لا شك أن دول آسيا الوسطى الغنية بالثروات الطبيعية، وعقد القمة التي ستكون انطلاقة جديدة لهذه الدول مع دول الخليج، في العديد من المجالات والصناعات المختلفة، ومحاربة الإرهاب والمخدرات وخلافة، ولتنويع العلاقات والتحالفات مع دول آسيا الوسطى التي لها علاقة وارتباط تاريخي مع المنطقة منذ دخول الإسلام لها. العامل الجيوسياسي مهم لوقوعها في منطقة تربط مناطق عدة مع دول الخليج، وتعزيز مجالات عدة للتعاون، وتعد كذلك دول ذات أهمية لدول الخليج العربي.
فقد أكد البيان المشترك الذي صدر عن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى، أهمية تعزيز العلاقات السياسية والإستراتيجية بين دول المجلس وآسيا الوسطى. وشدد البيان على أهمية الحوار والشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات.
تأسيس شراكة مستقبلية قوية وطموحة بين دول الأعضاء، بناءً على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين شعوبهم والتعاون القائم بينهم على الصعيدين الثنائي وكذلك متعدد الأطراف، وفي المجالات كافة، كما تمتلك موارد كبيرة من النفط والغاز تؤهلها للقيام بدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي.
ويجمع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى «C5» روابط مشتركة في الدين الإسلامي، وتحظى بعضوية منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة شنغهاي الجديدة التي انضمت لها السعودية أخيراً.
العلاقات الثنائية بين المملكة واليابان
وفي إطار زيارة رئيس وزراء اليابان السيد فوميو كيشيدا إلى المملكة العربية السعودية استقبل سموه فخامته. وجرى خلال الجلسة تبادل الأحاديث حول العلاقات الثنائية، وبخاصة أوجه التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية وسبل تعزيز التعاون وفق الرؤية السعودية اليابانية 2030، إلى جانب استعراض وجهات النظر في عدد من المسائل الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأنها.
وفي السياق ذاته أكد سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة، «أن العلاقة بين المملكة وإمبراطورية اليابان في مجال الطاقة مستمرة منذ أكثر من نصف قرن، وشريكان إستراتيجيان في مجال الطاقة، وتتميز بالرسوخ والموثوقية، والحرص من البلدين الصديقين على تنميتها وتنويعها بما يحقق مصالحهما المشتركة، ويدعم تنمية واستقرار قطاع الطاقة والاقتصاد على مستوى العالم».
وزير الداخلية في مؤتمر التنمية والهجرة بإيطاليا
رأس سمو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وفدَ المملكة المشارك في مؤتمر التنمية والهجرة المنعقد في العاصمة الإيطالية روما، نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، - حفظه الله.
ونقلاً عن (واس) «بيّن الأمير عبدالعزيز بن سعود أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- تشهد إصلاحات شاملة ومستمرّة في إطار تنفيذ رؤية المملكة 2030، التي جعلت الإنسان مرتكزها الرئيس.
واستعرض سموه اهتمام المملكة بتطبيق معايير حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة، والتأكيد على موقفها الثابت تجاه التعاون الدولي في التعامل مع جميع التحدّيات المشتركة، ودعمها جهود الأمم المتحدة في هذا الشأن، وحرص المملكة على تطوير البنية النظامية والمؤسساتية للمنظومة الوطنية لحقوق الإنسان، وأنظمة وسياسات العمل، والوافدين وتعزيز حقوق العمالة وتحسين العلاقة التعاقدية، مشيراً إلى إطلاق المملكة مبادرتي «السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر» للتصدي لظاهرة التغير المناخي.
وفي الجانب الإنساني والإغاثي، لفت الانتباه إلى أن المملكة تبذل جهودًا كبيرة للتخفيف من معاناة المتضررين في مناطق الأزمات والنزاعات والكوارث، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي تم إنشاؤه لمساعدة المحتاجين وإغاثة المنكوبين حول العالم، تماشيًا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، ومبادئ العمل الإنساني، بالتعاون مع المنظمات الدولية.
وتطرّق سموه إلى أن المملكة تعمل على برامج تهدف إلى التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وجميع أشكال الاستغلال، وقيام المملكة بتنفيذ 30 مشروعًا لدعم اللاجئين والمهاجرين، بتكلفة تتجاوز مئة وثلاثين مليون دولار أمريكي، وتقديم المساعدات الإنسانية لأوكرانيا بقيمة تتجاوز 410 ملايين دولار أمريكي، إضافة إلى توجيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتقديم مساعدات إنسانية بقيمة مئة مليون دولار أمريكي، وتنظيم حملة شعبية لصالح الشعب السوداني، الذي يشهد أزمة إنسانية تسبّبت في نزوح أعداد كبيرة في مختلف مناطق الدولة، ولجوء بعضهم لدول الجوار.
وفي ختام الكلمة دعت المملكةُ المجتمعَ الدولي للاضطلاع بدوره في التكاتف والتعاون لمعالجة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للهجرة غير النظامية، ومواجهة التحديات المتعلقة بمكافحة جرائم الاستغلال والتهريب، والتصدي لشبكات الجريمة المنظمة، التي أثبتت أنها تحديات دولية عابرة للحدود، تتطلب قدرًا كبيرًا من التعاون الدولي للتغلب عليها، ووجهت المملكة الشكر لمن يعمل من أجل الإنسان في كل مكان، لينعم العالم بالاستقرار والأمن».
المملكة تقدم قرضاً ميسراً ومنحة لتونس بـ500 مليون دولار
تعاني تونس أزمة اقتصادية حادة وديناً عاماً هائلاً، وإنفاذًا لتوجيهات مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وقّع وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، ووزيرة المالية التونسية سهام البوغديري، في تونس، اتفاقية لتقديم قرض ميسر بمبلغ 400 مليون دولار أمريكي، ومذكرة تفاهم لتقديم منحة بمبلغ 100 مليون دولار.
وبهذه المناسبة، أوضح الجدعان، «أن توقيع الاتفاقية لتقديم القرض الميسر ومذكرة التفاهم لتقديم المنحة يأتي تأكيدًا لعمق ومتانة العلاقات الأخوية التي تربط قيادتي البلدين الشقيقين، واستمرارًا لجهود المملكة العربية السعودية الحثيثة ودورها الريادي في مساندة الدول العربية والإسلامية تنموباً واقتصاديًا».
استدعاء القائم بأعمال السفارة السويدية
وفي إطار التصرفات المتكررة من قِبل السلطات السويدية غير المسؤولة بإعطاء بعض المتطرفين التصاريح الرسميّة التي تخولهم بحرق وتدنيس نسخ من كتاب الله «القرآن الكريم»، قامت وزارة خارجيتنا باستدعاء القائم بأعمال السفارة السويدية لدى المملكة وتسليمه مذكرة احتجاج تتضمن طلب المملكة للسلطات السويدية باتخاذ كل الإجراءات الفورية واللازمة لوقف هذه الأعمال السيئة، التي تخدش التعاليم الدينية كافة، وتخالف كذلك القوانين والأعراف الدولية.
ولا ننسى أن الحراك الدبلوماسي السعودي النشط الذي أعطى تألقاً واضحًا وفريدًا من نوعه كذلك عبر سمو وزير خارجيتنا الأمير فيصل بن فرحان منذ توليه دفة وزارة الخارجية الذي ينشط دبلوماسياً شرقاً وغرباً، تزامناً مع الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، وذلك بهدف إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز التضامن العربي وتقوية السلم العالمي، ورفع مستوى تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية مع الدول كافة.
الحراك السعودي الدبلوماسي المتألق جعل دول العالم المختلفة تجزم بأنها تعتمد على حليف وشريك كالمملكة العربية السعودية، التي تثق بها نظراً لدورها الريادي وثقلها ومكانتها في الشأن الإقليمي والدولي، وقوتها الاقتصادية التي تعتمد على رؤية2030 الطموحة وتحقق التنمية الاقتصادية في الشأن المحلي التي باتت إنجازاتها ملموسة، وعلى الصعيد الخارجي تسعى الدول إجراء شراكات مع المملكة لتحقيق تنمية اقتصادية مشتركة.
ختاماً، تشهد المملكة نجاحًا باهرًا وملموسًا في أداء دبلوماسيتها ونشاطًا فعالاً وتألقًا كذلك في تنظيم القمم الإقليمية والدولية، فقد حافظت الدبلوماسية السعودية على مواقفها الثابتة حيال القضايا العادلة في العالم، وحل الأزمات الإقليمية والدولية، كما تتميز دبلوماسيتها بالاتزان ولها علاقات متوازنة مع الدول كافة، وتسعى الدول لبناء علاقات مع المملكة نظرًا لدورها الريادي وتأثيرها الفاعل السياسي والاقتصادي والأمني ومكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.