د. علي بن صالح الخبتي
نحن الآن نعيش عصر الحوسبة الكمية quantum أو ( الكمومية) إن صحت الترجمة.. منتقلين من العصر الرقمي الذي عشناه منذ بداية الألفية، منذ العام 2000. وقد مرّ العالم بعصور عدة هي العصر الحجري البدائي ثم العصر الزراعي الذي استمر 100 عام ثم عصر الميكنة أو استخدام المكائن ومنها السيارات والطائرات الذي استمر العالم فيه قرابة الـ 30 عاماً قبل الانتقال في بداية ثمانينيات القرن الماضي إلى عصر المعلومات الذي استمر حتى عام 2000.
ومع بداية الألفية انتقل العالم إلى العصر الرقمي الذي استمر فيه إلى عام 2015 حيث كانت بداية العصر الكمي الذي نعيش بدايته الآن.. والجميل في الأمر أن كل عصر يأتي لا يلغي العصر الذي قبله وإنما يعززه وينميه ويطوره.. العصر الكمي الذي نعيشه الآن يعني الحوسبة الكمومية أو الحوسبة الكمية وهي قدرة الحاسبات على إجراء عمليات معقدة جداً وبسرعة فائقة جداً.. وهي مجال من مجالات الحوسبة التي تسخر مبادئ ميكانيكا الكم لإجراء حسابات معقدة وحل مشاكل معينة بشكل أكثر كفاءة من الحوسبة الكلاسيكية. وتقول الدراسات إنه بينما تستخدم أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية (bits) لتمثيل المعلومات ومعالجتها، والتي يمكن أن تكون إما 0 أو 1، فإن أجهزة الكمبيوتر الكمومية تستخدم (quantum bits or qubits)، والتي يمكن أن توجد في حالات متعددة في وقت واحد. ويسمح هذا لأجهزة الكمبيوتر الكمومية بإجراء عمليات حسابية بشكل متوازٍ.. ومن المحتمل أن تحل بعض المشكلات بشكل أسرع. الحوسبة الكمومية لديها القدرة على إحداث ثورة في مجالاتٍ مثل التشفير والتحسين واكتشاف الأدوية ومحاكاة الأنظمة الكمومية. ومع ذلك، فهي لا تزال تقنية ناشئة تخضع للبحث والتطوير المستمر. حيث إن حجمها الآن كبير جداً وقد أسدل الستار قبل أيام في الولايات المتحدة الأمريكية عن حاسوب (فرونتير) الخارق بتكلفة 600 مليون دولار وعمل عليه أكثر من 100 متخصص من القطاعين العام والخاص ويحتوي على ملايين المكونات وكان ذلك في مختبر (اوكرج) في الولايات المتحدة الأمريكية.. ويستطيع إجراء (كونتليون) أي مليون ترليون أي ( واحد وعلى يمينه 18 صفراً ) عملية حسابية في الثانية.. ويستطيع كل شخص على كوكب الأرض إجراء 60 عملية حسابية في آنٍ واحد دون توقف ولمد 4 سنوات وحاسوب فرونتير هو أقوى بـ147 مليار مرة من أول حاسوب عملاق تم تصميمه.. وهو أقوى بمرتين من حاسوب (فوجاكو) في اليابان الذي كان يعتبر أسرع حاسوب عملاق في العالم وفقاً لإحصائية في 2020.. ومع هذه القدرة المرعبة لحاسوب فرونتير فإنه يحتاج لبنى تحتية خاصة فهو يتطلب نظام تبريد خاص لتفادي ذوبانه وقد بُني على مساحة 680 متراً مربعاً..
وكما هو ذكرنا تُستخدم أجهزة الكمبيوتر الكمومية بشكل أساسي للتطبيقات التي تتطلب قوة حسابية ثقيلة أو لحل المشكلات المعقدة. تتضمن بعض المجالات الهامة التي يمكن استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية وهي كما يأتي:
1- التشفير: حيث تمتلك أجهزة الكمبيوتر الكمومية القدرة على كسر خوارزميات التشفير التقليدية وتوفير طرق أكثر أماناً لتشفير البيانات وفك تشفيرها.
2- التحسين: يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية أن تحل مشاكل التحسين بكفاءة أكبر من أجهزة الكمبيوتر التقليدية. يمكن أن يكون هذا مفيداً في مجالات مثل اللوجستيات وإدارة سلسلة التوريد والتمويل.
3- المحاكاة: يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية محاكاة أنظمة الكم بشكل أكثر دقة وسرعة، مما يفتح الإمكانيات للتقدم في علوم المواد والكيمياء واكتشاف الأدوية.
4- التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي: يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية أن تعزز تطوير خوارزميات التعلم الآلي، والتعرف على الأنماط، وتقنيات تحليل البيانات.
5- النمذجة المالية: يمكن استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية لتحسين النماذج المالية وتحليل المخاطر، وكذلك تحسين استراتيجيات التداول وإدارة المحافظ بشكل أكثر فعالية.
6- الفيزياء وميكانيكا الكم: يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية أن توفر فهمًا أفضل للظواهر الفيزيائية المعقدة عن طريق محاكاة أنظمة الكم وتحليلها.
تجدر الإشارة إلى أنه مع استمرار تقدم تقنية الحوسبة الكمومية، قد تظهر تطبيقات جديدة وغير متوقعة. كما سيتم اختزال حجمها ليصبح استخدامها على المستوى الشخصي وتصبح كمبويتر الجيب ذات الحجم الصغير والفعالية المتناهية لتجري عمليات معقدة وبسرعة فائقة تماماً مثل حاسوب فرونتير..
وخلاصة القول نلاحظ تسارع تقدم العالم حيث كانت المدة الزمنية بين عصر وعصر عقود والآن قلت المدة الزمنية وقد نشهد عدة أزمنة ينتقل لها العالم وفي سنة واحدة.. والسؤال الكبير، بل الكبير جداً: إلى أين ستأخذنا التقنية؟