الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد متخصص في العلوم الشرعية أن مِن أجلِّ الأخلاقِ قَدْراً، ومِن أَعظَمِها نَفْعاً، ومن أكثرِها بَرَكة، خُلقُ الرفق، وهو اللِّيْنُ والسُّهولة، والسّماحةُ واللُّطْف، وما دار في فَلَكِ هذه الألفاظِ من المعاني، وهو من أخلاق نبينا العظيمة التي مدحه الله بها فقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فدلّت على رفقهِ -صلى الله عليه وسلم- ولينهِ واجتنابهِ العُنفَ والفَظاظة.
وقال الدكتور علي بن يحيى الحدادي عميد معهد دراسات الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في حديثه لـ«الجزيرة» أن الرِّفْقُ خُلُقٌ يحبّهُ الله، فمن استعملهُ تقرباً إلى الله أحبه الله. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»، وبالرفقِ تُنال المآرب، وتتحققُ على أكمل الوجوه المطالب، لأنّ الذي بيدهِ مقاليدُ الأُمورِ جلّ وعلا يُعطي عبدَهُ إذا استعملَ الرفقَ ما لا يعطيهِ إذا استعملَ العنف قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»، ولذلك كان من علامات إرادةِ اللهِ بالعبدِ خيراً أن يعطيَهُ الرفقَ، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ»، ولكثرة الخيراتِ البركاتِ في الرفقِ كان مَن أُعطي الرفقَ كأَنّما أُعطيَ الخيرَ كلَّه، ومن حُرِمَ الرفقَ كأنّما حُرِمَ الخيرَ كلَّه. قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ».
وشدد الدكتور علي الحدادي على أن من استعملَ الرفقَ في أمورهِ صلَحتْ وزانتْ عاجلاً وآجلاً، ومن استعمل العنف في أموره فسدَتْ وشانتْ عاجلاً وآجلاً. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»، ولْيعلمْ المسلمُ أنّ نفعَ الرفقِ لا يقتصرُ على الدنيا بل هو ينفعُ العبدَ في دنياه وفي أُخراه، قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
وأوضح الدكتور الحدادي أن مجالات استعمالات الرفق، لا تحصى، فمنها: استعمالُ الرفقِ مع النفسِ في العبادةِ، فإن مَن شَقَّ على نفسهِ في نوافلِ الطاعاتِ مشقةً بالغةً أوشكَ أن يَملَّها ويدَعَها، ومنها استعمالُ الرفقِ مع الأهلِ بالعِشرةِ بالمعروف، ولِيْنِ الجانبِ، والسخاءِ والكرمِ، وطلاقةِ الوجه، ومنها استعمالُ الرفقِ في الإنفاق، فإنَّ الإسرافَ والتبذيرَ، والمبالغةَ في الرفاهية، وتقليدَ الآخَرينَ ومجاراةِ الموسرين، لاسيما في الحفلاتِ والمناسباتِ ليس من الرفقِ في شيء، ومنها استعمالُ الرفقِ في التعليمِ والنصحِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، كما أن من مجالاتِ الرفقِ الرفقُ بالعمالِ والخَدَمِ ذكوراً وإناثاً، وذلك بعدمِ تكليفِهم فوقَ طاقتِهم، وبمساعدتِهم عند تكليفِهم بما فيه مشقة، وكذلك بعدمِ تعريضِهم للعملِ في شدةِ الحرِّ أو شدةِ البرد، ومن مجالات الرفق، الرفقُ بالحيواناتِ، برحمتِها والإحسانِ إليها، دونَ إفراطٍ ولا تفريط، فمِنَ الناسِ اليومَ من يُسيءُ إليها إساءةً بالغة حتى ربما أحرقها حيّةً، ومنهم من يبالغ في العناية بها تقليداً لعاداتِ الكُفار فترى بعضَهم يشترون الكلابَ والقِططَ -وثمنُها حرام- وينفقون على طعامِها وشرابِها وزينَتها الأموالَ الطائلة، تقليداً لفلانٍ وفلانة.