د. إبراهيم بن جلال فضلون
«إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المواقف الأخلاقية». هكذا أطلقها دانتي إليغري مؤلف «الكوميديا الإلهية»، لكن هناك درجات متفاوتة في جحيم الحياة والآخرة، يمكن للمرء الاختيار وحتى دفع ثمن رحلة مقابل الحصول على مقعد بها.. من العبودية لحرب الظل في إفريقيا المنهوبة، لتذكّرنا رحلة جهنم من العراق وسوريا وليبيا، بل من فضيحة أفغانستان إلى ساحل القرن الإفريقي بيد أصحاب الحدائق المزيفة، مدعي عقيدة أننا الغابة وهُم مُفترسوها الذين «سمنوا» من مرعاها، فكارثة الغرب في عديد من الدول كانت لعيوب الإستراتيجية المتبعة معنا منذ 15 عاماً لمهاجمة الجهاديين، دون مراعاة حماية المجتمعات ومواطني هذه الدول من تأثير الفكر المتطرف واستغلال الجهاديين. وبالتالي كانت انتكاسات الغرب في الساحل الإفريقيي وآخرها النيجر أسوأ ضربة في ظهورهم بعد طريقة انسحاب الولايات المتحدة الامريكية المُهينة من أفغانستان صيف 2021، حيثُ كانت عقيدة مكافحة التمرد خلال الأزمات كما كانت حجتهم «النووي العراقي»..
وتعد حالةً متفردة في «موسوعة الانقلابات الإفريقية»، لتنوع النسيج الاجتماعي في النيجر والمُكون من عدة قبائل وإثنيات بينها عرب وطوارق وتبو وتماشيك وكانوري وفولاني وزرما وهوسة. وهاتان الأخيرتان ينتمي إليهما الكثير من السياسيين والعسكريين.. فقد يكون ذلك سبباً للرد على نية الرئيس المخلوع عزل قيادات من الجيش، فبالأمس خلعت مالي وإفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، فرنسا وقواتها وشركاتها هناك، وإعلان فشل عملية «برخان» العسكرية منذ انطلاقها في أغسطس 2014 لمكافحة المتطرفين في قطاع الساحل والصحراء بدلاً من عملية «سرفال» التي أطلقت في يناير 2013 لمكافحة جماعات متطرفة استولت على شمال مالي وكانت تهدد بالتمدد جنوباً. وفق ما جاء في كتاب وجّهه أعضاء مجلس الشيوخ روجيه كاروتشي وبرونو روتايو وكريستيان كامبون المنتمون إلى حزب «الجمهوريين» ووقّعه 94 برلمانيا ونشرته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، بينما باتت ميليشيات (المجموعة الروسية) فاغنر غير الحريصة على حقوق الإنسان أو الديموقراطية، منطلقة بل ومتاح لها الأرض الإفريقية بحجة التدريب في القارة السمراء، ولاسيما مع وجود ألف مقاتل من «فاغنر» منذ عام 2021 في مالي بغرب إفريقيا.
لقد برر قادة الانقلاب في النيجر عملهم ذلك بتدهور الوضع الأمني وسوء الحكم التابع لفرنسا والأوربيين. ونتيجة للانتهازية حول الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي أراد الاستيلاء على السلطة لمصلحته الشخصية، فقتل الديمقراطية بالدولة وخيبت الآمال، حتى بالدول المجاورة التي دارت الدائرة عليها حتى قرر مجلس الأمن بالإجماع منهزماً في 30 يونيو، إنهاء مهمة حفظ سلام استمرت 10 سنوات في مالي بعد أن طلب المجلس العسكري فجأة مغادرة القوة التي كان قوامها 13 ألف جندي، وعلق البيت الأبيض بأنها بتدبير من مجموعة فاغنر، لتفشل مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، في زيارتها للقادة العسكريين في النيجر دون أن يلق العرض الغربي «متعدد الخيارات» قبولاً، لتؤكد العواقب على أميركا وعلاقتها بنيامي (قيمة مساعدات بأكثر من 100 مليون دولار من الأولى)، إذا لم يعمد الانقلابيون إلى إعادة السلطة لبازوم أو إذا اقتدوا بدول الجوار في التعاون مع مرتزقة مجموعة «فاغنر» الروسية.
وعلى العموم وجد الانقلاب النيجيري ترحيباً واسعاً، جعل من تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لا عنوان لكونه لا يُقلق الانقلابيين في نيامي، بل سيكون كارثياً، في حال نجح هذا الانقلاب، ستفقد فرنسا آخر حليف في المنطقة، وستكون روسيا المهيمنة على ممرات عسكرية جوية وبرية عامة من شرق ليبيا إلى غرب السودان مروراً بوسط إفريقييا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وصولاً إلى غينيا، بأقل ثمن ممكن، اعتماداً على أشخاص وليس على دولة ونظام. وقد تتقاسمها الصين معها.. فأين العرب ومنطقة الشرق الأوسط المتفرجون؟