حسن اليمني
لا بأس ومن دافع الأخوة والوحدة الثقافية تساهم دول الخليج العربي بدعم غير محدود كثير من الدول العربية المتعثرة في الرسم والتخطيط والبناء التنموي لكن الإشكالية الحقة هي في هذه الديمومة المستمرة في سياق واتجاه واحد دون مقابل حتى بدت للبعض واجبات لازمة بل وصل الأمر إلى حد المشاركة في الملكية والحقوق وهو أمر لا بد من التوقف عنده وإعادة ترتيبه.
قالوا عنا بدو الصحراء وقالوا عرب النفط وقالوا عواصم التخلف ولا حصر لما قالوا بإسراف ثم يعاد تلطيفه من زوايا أخرى لتمرير الرغبات في عملية شد وإرخاء للوصول للغاية الآنية ثم العودة التلقائية مرة أخرى لذات النهج المستمر المستديم، واليوم وقد مضى قرابة القرن على نشأة الدولة العربية وصعود دول الخليج العربي لمصاف الدول المتقدمة وانحدار بعض الدول العربية للفوضى والتشرذم وفي أحسن الأحوال للتقهقر والتخلف ألا يمكن التوقف وبحث وقراءة الأسباب؟ هل العطاء بحب يعني غباءً والوفاء بصدق أصبح ضعفاً أم أن الجهل والحماقة صارت ديدن التخلف والفساد؟
يعتقد الكثير من المتابعين والمهتمين في بعض الدول العربية أن ذلك يعود للنفط وتوفره في جانب وشح الموارد في جانب آخر وهذا أمر ليس صحيحاً بل تفكير خاطئ بشكل واضح وجلي، النفط متوفر في بلدان عربية أخرى وذات كثافة سكانية مشابهة لبعض دول الخليج العربي بل وتزيد عليها خصوبة في الأرض ووفرة في الأنهار وكذلك الموقع الاستراتيجي والمؤهلات الاقتصادية فيما لو تم استثمارها بالشكل الصحيح كما فعلت كثير من الدول فقيرة الموارد ولكن عظيمة الهمّة وأصبحت دولاً مصدرة وذات اقتصاد عالٍ ودخل فردي للمواطن يكفل حياة كريمة, فأين الخلل ولماذا لا يبحث الأمر في هذه البلدان العربية المدمنة في الدعم والإسناد بشكل معمق يحرر حركة اقتصادها من العوائق المحبطة بدلاً من استمرار طلب العون والمدد بما لم يفض إلى أي نتيجة تعطي هذا المدد والدعم نتائج إيجابية؟ لا حاجة للتسمية ولكن من المعلوم والمعروف أن دولاً عربية تختزن ثروات نفطية ومعدنية وأنهاراً وأراضيَ خصبة ومناخات مناسبة ومثابرين أكفاء ومواقع استراتيجية وعلماً وفهماً ومع هذا تأخذ اتجاهاً منحدراً منذ عقود برغم الدعم والإسناد من دول الخليج التي أحسنت الفعل وأتقنت الإدارة فارتقت بأوطانها وشعوبها نحو الاتجاه الصاعد المتقدم.
أين مردود الدعم المالي من دول الخليج للأشقاء العرب ولِمَ لم تظهر أي بوادر نمو واكتفاء أو على الأقل مسار يوصل لهذه الغاية أو حتى يعطي أملاً للخروج من الضيق واستمرار طلب الدعم؟، لا شك هناك خلل وهذا الخلل أحق من غيره بالبحث والفحص لكن الذي يتم للأسف هو التجرؤ في تحويل الدعم والعون إلى حق مستحق وواجب مفروض بل ويزيد إلى حد الادعاء بالمشاركة في الثروة ولا أقسى من أن يترجم العقل وروح الأخوة والكرم والإيثار حقاً مستحقاً ملزماً دون أن يصاحب بواجبات مفترضة أقلها استثمار الدعم والمعونة في أهدافها الحقيقية نحو ترقية وتنمية البناء وتقليل الحاجة قدر الإمكان لطلب الدعم المستمر بل بالعكس تضخم الفساد وزاد إثراء الفاسدين في بعض الحكومات العربية إلى أن وصل حد امتهان دعم أرصدتهم المالية حقاً مستحقاً وإلا تسلطت الألسنة المقيتة بكل لفظ لا يمت للمروءة بصفة لو لا أن شعوبهم قد كشفتهم وكشفت زيفهم وفسادهم وإن بقوا للأسف محسوبين على أوطانهم دون محاسبة وردع وهذه نتيجة طبيعية لغياب الحكم الرشيد.
من حق مواطني دول مجلس التعاون الخليجي التساؤل عن مصير كل تلك الأموال المستنزفة من مواردهم الوطنية والمقدمة لبعض أشقائنا العرب على مدار العقود الماضية وما هي نتائجها ولماذا لا زالت مستمرة؟ ولماذا صارت تأخذ طابع الديمومة وفوق هذا لا تقابل على الأقل بكف الأذى ولا حاجة لشكر، سؤال وأسئلة كثيرة مستحقة لإجابات دون جدوى, ثم أين جامعة الدول العربية وأين دورها وماذا لو أظهرت كشفاً لهذا الدعم المالي وأين صرف وما هي النتائج التي تحققت لربما ساعدت هذه الدول المعنية قبل غيرها في استيقاظ عقولها، الأمر ليس تفضلاً ولا منة بل هو واجب الأخوة والأواصر وغايته تحقيق حوكمة منتظمة تساعد في ضبط المسارات التنموية والاقتصادية للبلدان العربية المتعثرة ويساعد في حماية الموارد المالية ومحاربة الفساد بما يحقق نتائج إيجابية ملموسة على جودة حياة المواطن العربي وترقية اقتصاديات هذه البلدان بما يخلق فرص العمل والإنتاج ومنه للاكتفاء والغنى لتدخل هذه البلدان العربية شريكاً داعماً ومساعداً في تحقيق قفزة اقتصادية للمنطقة العربية تحفظ لها مقوماتها الأساسية وتحميها وتذود عنها.
العجيب في الأمر أن نجد النظرة التهكمية عن المواطن الخليجي لدى بعض إخوتنا في هذه البلدان العربية, وبكل أسف من أصحاب المناصب والمسؤولية حتى وصل الحال في بعضه إلى حد التبجح السقيم وكأننا وكلاء آدم عليه الصلاة والسلام على ذريته، يقفون بجانب قوى معادية ضد دول الخليج وبذات الوقت يتساءلون ما الذي يمنع دول الخليج عن دعمنا وهم بالأمس القريب يعلنون بملء شدقهم أن ولاءهم ليس للجامع العربي بل ويتفاخرون أنهم ضد التاريخ العربي الإسلامي وكأنهم بخمر الحقد والحسد أصبحوا أوصياء على الكرامة والعزة والوفاء بشكل يدعو حقيقة للترفع والسفه، ومن العجيب أيضاً أن يصل مواطن عربي لمشافي المملكة العربية السعودية لعملية فصل توأم بتكريم وحفاوة وتكفل بكل المصاريف ثم يعود ليقول إن الأطباء الذين قاموا بهذه العملية الدقيقة من جنسية بلاده بكل غباء، وليس القصد في ذكر مثل هذه السلوكيات تفضلاً أو منة وهي لا تليق بالكبار ولكن لعل بذكرها ترتقي العقول لتعين نفسها قبل غيرها.