محمد سليمان العنقري
استنزاف الاقتصاد لا يقف عند مستوى استهلاك الموارد الطبيعية سلبياً أو اقتصاد الظل والتستر التجاري, فهناك ما لا يقل عنها أهمية وتأثيراً ألا وهو الجشع الذي يعد من أعلى درجات الطمع, حيث يسعى الفرد الجشع للكسب بطرق مشروعة وغير مشروعة حتى لو على حساب أرزاق الناس, فهو صفة ذميمة وسيئة وأضرارها تصل للاقتصاد بشكل كبير ولذلك فهو محارب بالأنظمة والتشريعات عالمياً فهو يعرف «بأنه الرغبة الحامحة لامتلاك الثروات أو السلع أو الأشياء ذات القيمة المطلقة بغرض الاحتفاظ بها للذات، بما يتجاوز احتياجات البقاء» وهو صفة مذمومة بكل الأديان والشرائع وتلتصق بصاحبها سمعة سيئة فقد وصف بأنه مرض لشدة خطورته على الفرد المصاب به وعلى محيطه لأنه يجمع صفات الحسد والأنانية السلبية والشعور بعدم الشبع مما يكتنزه من أموال بل ينظر لما لدى الغير كأنه حق له لا يفوت الفرصة للاستيلاء عليه, وهناك نماذج كثيرة في المجتمعات للجشعين.
أما كيف يسهم في استنزاف الاقتصاد فالأمثلة عديدة فالتاجر الذي يحتكر سلعة أو أرضاً أو خدمة ذات أهمية وضرورة للناس بقصد رفع سعرها يعد جشعاً, والأموال التي أخذها بما يفوق القيمة التي يستحقها على تجارته أو أملاكه إنما تحجب عن استهلاك سلع أخرى بذات الوقت مما يتسبب بخلل في نمو قطاع التجزئة أو الاستهلاكي الذي يولد فرص عمل ضخمة, فتقلص الأموال المتدفقة له سيحد من الاستثمار فيه بل قد تخرج منشآت من السوق بسبب تراجع الاستهلاك نظير تركيز المستهلك على تحقيق كفايته من الأساسيات بينما تكدس الأموال لدى التاجر الجشع لن يضيف للاقتصاد أي نمو ينعكس على التوظيف وزيادة الإنتاج والخدمات, وفي أحد أوجه الجشع يبرز قطاع التأجير التجاري تحديداً فما نسمعه من قصص عن اضطرار محلات ناجحة بتجارتها للإقفال كان أحد أهم العوامل طمع مالك العقار برفعه للإيجار عندما علم أو استشعر ارتفاع إيرادات المستأجر فهو يستنزف فعلياً جل إيراداته فيتحول للخسارة أو عدم جدوى الربح المتحقق لأنه تآكل بالإيجار الذي يحتاج لوضع أنظمة تمنع الرفع العشوائي للإيجارات كما هو معمول به بدول عديدة خصوصاً أن منصة إيجار أصبحت أداة للتنظيم محوكمة
فما يجب أن يعلمه المؤجر الجشع أن نجاح المتجر ليس بسبب الموقع فقط بل جل التميز أتى من جودة المنتج والخدمة وكذلك التسويق الصحيح, فالسوق بدأ يتغير ودخول منظومة تخدم التاجر بتوزيع منتجاته عبر تطبيقات التوصيل ستجعله يتجه لاختيار مواقع رخيصة الإيجار ومنها يقدم خدماته وهذا يعني أن السوق سيتهيكل وسيفقد ملاك العقارات الجشعين زبائن مهمين يحققون لهم منفعة كبيرة بأن يتم تأجير كافة الوحدات في الأصل الذي يملكونه عندما تكون المتاجر نشطة أما رفع الإيجارات بدون حدود منطقية فسيؤدي لكساد التجارة وخروج صاحبها من السوق مع فقدان للوظائف وستزداد مع الوقت المحلات غير المشغولة لكن الأثر الحقيقي إذا استمرت الإيجارات بالارتفاع دون رادع تنظيمي فإن ذلك سيعني أيضاً تحويل تلك التكلفة على المستهلك النهائي وبالتالي إضعاف قوته الشرائية وارتفاع بالتضخم أيضاً وهذه كلها عوامل تحد من نمو الاقتصاد وزيادة النشاطات غير النفطية.
ومن أوجه الجشع ما شهده سوق السيارات بعد جائحة كورونا حيث استغل تراجع الإنتاج العالمي برفع الأسعار وهو ما يفتح المجال على ضرورة هيكلة السوق بطرق استيراد السيارات لرفع التنافسية كذلك ما يظهر من فروق كبيرة بأسعار قطع الغيار بين ماهو بالسوق المحلي وما يعرض بتطبيقات خارجية متخصصة ببيع قطع الغيار وينطبق ذلك على أسعار بعض الأدوية والمكملات الغذائية والمستحضرات الصيدلانية حيث يوجد فوارق بالسعر بين ما يعرض بالتطبيقات خارجياً وما هو موجود ببعض الصيدليات مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التأكد من جودة المنتج بالتطبيقات وهل هو مطابق للمواصفات المعتمدة محلياً؟ إلا ان من الضروري القيام بدراسات توضح أسباب الفوارق إذا كانت المنتجات ذاتها، كما أن ارتفاع أسعار بعض أنواع الخدمات الصحية العلاجية والتجميلية عند المقارنة مع دول مجاورة هناك فوارق كبيرة بل حتى بين مدن المملكة فمثل هذه الأنواع من العلاجات التي لا يوجد قياس لأسعارها يصبح المجال واسعاً لتباين التكلفة بين مستشفى أو مركز صحي وآخر، أيضاً فروع المطاعم بعلامات تجارية عالمية أسعار الوجبات لديها مرتفعة قياساً بفروع تلك العلامات بدول أخرى, فالسوق السعودي ضخم ويعد من الأكبر شرق أوسطياً ومع نمو الاقتصاد وازدهاره فإن الاحتياج للخدمات والمنتجات سيزيد أي أن النشاط عموماً بكافة القطاعات واعد فمن الضروري أن لا يكون هناك تحديات تقلل من الزخم بالنمو والتأثير على دور المستهلك الإيجابي بالاقتصاد وذلك بمزيد من الأنظمة والتشريعات التي تزيد المنافسة وتمنع رفع التكاليف عشوائياً كالإيجارات التجارية والسكنية وأسعار المركبات أو السلع الضرورية والكمالية وخدمات السياحة وغيرها من المؤثرات على إنفاق المستهلك.
قال غاندي «يوجد في هذا العالم ما يكفي لسد كل حاجات الإنسان.. ولكن ليس ما يكفي لإشباع جشعه» فالتاجر الجشع هو مستهلك أيضاً وما يقوم به من ممارسات ضارة سينعكس عليه بارتفاع تكاليف خدمات وسلع يحتاجها وكل ما زاد طمعه كان الضرر أكبر على تجارته التي ستكسد إذا ارتفع التضخم وتحول الاقتصاد للركود فيكون كمن أطلق الرصاصة على قدمه.