د. سفران بن سفر المقاطي
يشهد العالم في الوقت الحاضر تطوراً متسارعاً، وتطبيقاً متزايداً لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، حيث تتجه العديد من حكومات دول العالم، بالإضافة إلى الكثير من الشركات العالمية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، إلى الاستثمار بكثافة في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير تقنياته، خصوصاً بعد أن ثبتت فعالية تطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال جائحة كورونا، والتي عززت أيضاً القناعة بالحاجة إلى المزيد من تطوير هذه التقنيات، والتوسع في استخداماتها، وعلى هذا الأساس، ووفقاً لمؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي لمؤسسة تورتويس إنتليجينس (Tortoise Intelligence)، فقد ارتفع إجمالي الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي في العام 2021م، إلى مستوى قياسي بلغ 77.5 مليار دولار، مقارنة بـ36 مليار دولار عام 2020م.
والذكاء الاصطناعي هو فرع من العلوم والتقنيات الحديثة يهدف إلى إضفاء الذكاء البشري على الآلات المصنوعة، لتستطيع تلك الآلات أداء مهام معقدة، واتخاذ قرارات بشكل مشابه للإنسان.
وهو أيضاً مجال علمي يهدف إلى تطوير آلات وبرامج تستطيع أن تقوم بمهام تتطلب الذكاء والتعلم والإبداع. والتعليم هو عملية تهدف إلى نقل المعرفة والمهارات والقيم من شخص أو مجموعة إلى آخرين، سواء كان ذلك بواسطة المدرسة، أو الجامعة، أو الإنترنت، أو غيرها من الوسائل. ويسهم التعليم في تنمية الفرد والمجتمع، ويحسن من فرص الحصول على وظائف ودخل أفضل.
وتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، لتعزيز عمليات التدريس والتعلم ليمتد استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم إلى ما هو أبعد من التصنيع والخدمات، بهدف تحسين أساليب وأدوات التعليم، إذ هناك فرص كبيرة لمزيد من تطوير استعماله في التعليم مستقبلاً، من خلال أنظمة إدارة التعلم والتطبيقات الأخرى، مما يوفّر أشكالاً جديدة من التعلم الفردي لدعم المعلمين ومواجهة التحديات في التعليم بإعداد الأفراد لسوق العمل، وخدمة المجتمع، بما يحقق تعزيز وتطوير التعليم والتدريب من خلال قدرات الذكاء الصناعي. وكذلك يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جودة وكفاءة التدريس والتعلم، مع توفير فرص جديدة للمتعلمين والمعلمين والمسؤولين التربويين.
ووفقاً لليونسكو، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في مواجهة بعض أكبر التحديات في التعليم اليوم، مثل:
-1 ضمان تمتّع الجميع على نحو عادل ومنصف بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال التربية والتعليم، واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة أوجه التفاوتات القائمة على الوضع الاجتماعي/ الاقتصادي، ونوع الجنس والعرق، والبعد الزماني والموقع الجغرافي.
-2 توظيف الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين عمليتي التعليم والتعلّم، من خلال استخدام نظم إدارة عملية التعلّم القائمة على الذكاء الاصطناعي، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وتحديد أشكال جديدة للتعلّم الفردي للمساعدة في دعم المعلمين والتصدي للتحديات التي تواجه قطاع التعليم.
-3 تعزيز المهارات اللازمة للحياة والعمل في عصر الذكاء الصناعي، من خلال دعم عملية صياغة الاستراتيجيات والسياسات ذات الصلة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وتحديد دور الذكاء الاصطناعي والأدوات التقنية القائمة عليه في دعم تنمية المهارات والنهوض في الابتكار.
-4 ضمان استخدام البيانات التربوية على نحو يتسم بالشفافية والقابلية للمراجعة، من خلال النظر في كيفية الحد من المخاطر التي يمكن أن يتسبب بها الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وتحديد أدلة ملموسة لصياغة السياسات التي تكفل ضمان الشفافية والمسؤولية، واعتماد خوارزميات شفافة وواضحة بالنسبة للأطراف الفاعلة في مجال التعليم.
وقد أظهرت بعض الدراسات والتجارب أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحقق نتائج إيجابية في مجال التعليم، مثل:
-1 تحسين مستوى الإنجاز الأكاديمي للطلاب، من خلال تقديم تغذية راجعة فورية وشخصية، وتكييف المحتوى والصعوبة والسرعة مع مستوى واحتياجات كل طالب، وتشجيع التعلّم الذاتي والتعاوني.
-2 تخفيف عبء العمل على المعلمين، من خلال تولي الذكاء الاصطناعي بعض المهام المتكررة والروتينية، مثل التصحيح والتقييم والإدارة، وتزويد المعلمين ببيانات وتحليلات تساعدهم على تحسين طرق التدريس والتخطيط.
-3 توسيع نطاق الوصول إلى التعليم عالي الجودة، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء منصات تعلّم عبر الإنترنت، وبرامج ترجمة آلية، وأدوات مساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم فرص التعلّم مدى الحياة للأشخاص في المناطق الريفية أو المهمّشة.
وباختصار، من المتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير إيجابي على التعليم بطرق مختلفة. يمكن أن يساعد المعلمين عن طريق أتمتة المهام مثل العمل الإداري وتصنيف الأوراق وتقييم أنماط التعلم. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي المصمم خصيصًا للتعليم سيحدث ثورة في الإطار التقليدي للتعلم في الفصول الدراسية بالجامعة، ويسهم في تحديث المناهج بسرعة استجابة لانفجار المعلومات والتطور المعرفي، مع تقديم الدعم لكل من المعلمين والطلاب خارج الفصل الدراسي، والتغلب على قيود الزمان والمكان، وهو أمر بالغ الأهمية بشكل خاص خلال الأزمات العالمية مثل جائحة (COVID19) كورونا، وما قد يحدث في مستقبل الأيام من أزمات غير متوقعة.