أ.د.عثمان بن صالح العامر
يذكر صاحب كتاب جمهرة الأمثال: أن رجلًا من بني تميم يقال له ضمرة بن ضمرة، كان يغير على ثغور النعمان بن المنذر، حتى نفد صبر النعمان، ولم يستطع الوصول إليه فقرر احتواءه وإدخاله في طاعته، وقدّم في سبيل ذلك مائة من الإبل؛ فوصل الخبر لضمرة فقبلها وأتاه؛ فلما نظر إليه النعمان ازدراه -وكان ضمرة دميماً ولم يعطَ بسطة في الجسم، فقال بن المنذر، قولة صارت مثلاً من بعده (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)، فقال ضمرة: مهلًا أيها الملك. إن الرجال لا يكالون بالصاع. وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه. إن قاتل بجنان. وإن نطق نطق ببيان. قال: صدقت لله درك، ثم سأله : هل لك علم بالأمور والولوج فيها؟ قال: والله إني لأبرم منها المسحول - وهو الثوب الذي لم يغزل بعد - وأنقض منها المفتول، وأحيلها حتى تحول، ثم أنظر إلى ما تؤول. وليس للأمور بصاحب، من لا ينظر في العواقب. قال: صدقت، لله درك, فاخبرني: ما العجز الظاهر، والفقر الحاضر، والداء العياء، والسوءة السوءاء؟
قال ضمرة:
- أما العجز الظاهر؛ فالشاب القليل الحيلة. اللزوم للحليلة. الذي يحوم حولها. ويسمع قولها؛ فإن غضبت ترضاها. وإن رضيت تفداها.
- وأما الفقر الحاضر؛ فالمرء لا تشبع نفسه. وإن كان من ذهب خلسه.
- وأما الداء العياء: فجار السوء، إن كان فوقك قهرك، وإن كان دونك همزك، وإن أعطيته كفرك، وإن منعته شتمك؛ فإن كان ذلك جارك، فأخل له دارك، وعجل منه فرارك، وإلا فأقم بذل وصغار، وكن ككلب هرار، والهرار صوت الكلب دون النباح.
- وأما السوءة السوءاء: فالحليلة الصخابة، الخفيفة الوثابة، السليطة السبابة، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير غضب، الظاهر عيبها، والمخوف غيبها؛ فزوجها لا يصلح له حال، ولا ينعم له بال، وإن كان غنيًّا لا ينفعه غناه، وإن كان فقيرًا أبدت له قلاه، وهو البغض والكره، فأراح الله منها بعلها، ولا متع الله بها أهلها». فأعجب النعمان حسن كلامه، وحضور جوابه؛ فأحسن جائزته. واحتبسه قبله.
هذه الحالات الأربع (الشاب قليل الحليلة، والإنسان الذي حرم القناعة، وصاحب الدار الذي ابتلي بجار سوء، والزوج الذي مني بزوجة لا يعجبها العجب ولا يرضيها شيء، سليطة اللسان، سيئة الخلق) هي باختصار كانت وما زالت أسوأ الأحوال الاجتماعية في دنيا الناس، وقانا الله وإياكم وذرياتنا هذه الأربع وما ماثلها، وإلى لقاء والسلام.