علي الخزيم
- وجَّه مُثقف اللوم لمن يتابعون شعراء من الجنسين وهم يخالفونهم في الدِّين أو المذهب، أو من ينتمون لطوائف يعارضونها ويختلفون معهما، وأرى أنه يمكن تأييد الرأي ومعارضته بآن واحد؛ فالموافقة: بتجاوز الشعر والتدوين الطائفي الذي يُخالف الدِّين والمعتقد؛ أو الرد عليه بأسلوب مهذب مُقنِع، أمَّا الاعتراض: فبعدم إقحام المُنتج الأدبي والثقافي بمعترك الطائفية والمذهبية.
- عَرَفت العرب قديماً قبل الإسلام وبعده وبعصرنا الحاضر شعراء وأدباء مختلفو الديانات والمذاهب، ولم تعزُف عن إبداعهم وجوهر شعرهم وجميل نثرهم لمجرد أنهم يختلفون عنهم ديناً ومذهباً، أو لأنهم من طائفة ينفرون منها (ولم يُقَارِفُوا المحذورات)، فلغة العرب للجميع والإبداع ليس حصراً على فئة دون أخرى، وما لا يعجبك يعجب غيرك، أما الدين فلله وحده وكل محاسب بمفرده يوم يقوم الحساب.
- لو أخضعنا كل نَصّ وقصيدة (سوى ما ينافي الشرع) لمرجعية مذهبية دينية أو طائفية لوقعنا فيما وقع به (حَيص بَيص)؛ ويقال إنه سعد التميمي شاعر يَعتَز بعروبته عارف بأشعار العرب ولغتهم، وسُمِّي بهذا الاسم بعد أن رأى الناس يوماً وهم بحركة واضطراب فقال: ما للناس في حَيص بَيص؟ فالتصق به اللقب، وذهب مثلاً، كما ينسب له المثل الدارج بهذا البيت:
(فحسبكم هذا التفاوت بيننا + وكل إناء بالذي فيه ينضح).
- حين يعجبني النص الشعري أو الأدبي وتطربني مفرداته وموسيقاه وحسن سَبْكه؛ فإني لا ألتفت كثيراً (وبحذر) لمذهب ودين وطائفة القائل، فعند ذاك يكون جُلّ ما يهمني ارتقاء المادة الأدبية أو القصيدة إلى مصاف الابداع العربي لتأخذ بلُب القارئ، وتمتلك حواسه.
- الكثير منا يتابع ويقرأ بإعجاب طرح ونَتَاج أشخاص قد نعرف أو نسمع بأن لهم سلوكيات وربما عيوبا ينفر منها الانسان كالشح والبخل، أو التعالي والغرور بناءً على قدراته الشعرية والأدبية، أو المَلَكات والدرجات التي يهبها الله لخلقه، فالمتابعة والاستفادة من طرحهم لا يعني أننا نترسم خطواتهم (نأخذ المُفيد، ونَدَع ما يعيب، وندعو لهم بالصلاح).
- وإنك لتعجب أحياناً وأنت ترى (بعض) مثقفينا العرب - وربما من أصحاب الرأي بمُستَهل القول - يقتبسون مقولات لفلاسفة غربيين ملاحدة ومنحرفون، وممن يجاهرون بمعاداة العرب والمسلمين، وكأن أطروحاتهم وتدويناتهم لا تكتمل الَّا بتضمينها أقوال أولئك المختلفين عنا لغة وعقيدة وأخلاقاً وعادات وثقافات قد نبرأ من جُلِّها انتصاراً لمروءتنا وكرامتنا العربية الإسلامية.
- الأخطل بنصرانيته كان - وما زال - محل الإعجاب لجودة شعره ومنه (رائيتاه) الشهيرتان وهما من عيون الشعر العربي، ويُروَى أنه مات على دينه، وحاتم الطائي مع شهرته الفائقة بالكرم الَّا أنه شاعر مُجيد وتناقلت الأجيال شعره رغم أنه - كما قال ابن عساكر - نصرانياً، والسموأل الأزدي من أشهر شعراء العرب وأكثرهم وفاءً، وروي أن اسمه مُعَرَّب من سموئيل اليهودي، والحسن بن هاني أبو نواس على ما بدر منه أول حياته من مجون؛ لم يُسَفِّه القوم موهبته، وبالمجمل: فَلَم يَستَنْكِف مُتذوقو أشعارهم حفظها وشرحها ونقلها للأجيال اللاحقة.