أسدى الإمبراطور الفارسي داريوس الأول الذي عاش ما بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد معروفاً للبشرية عندما أرسل شخصاً من أتباعه يدعى سكيلاكس لاكتشاف وادي السند - باكستان حالياً - ولأن الأخير عرف بطمعه المعرفي فإنه توغل للشرق قليلاً ثم للجنوب ليكتشف بعد ذلك ما نعرفها الآن بالهند.
رجع بعد ذلك بتقريره بين يدي الملك الفارسي الذي بدوه بهر بما قرأه، وبذلك يكون سكيلاكس هو أول كتاب عن الهند والذي ضاع كله إلا فقرات منه بين يدي الباحثين الآن، توسعت معرفة العالم عن الهند أكثر عندما أتى هيكتوس المالطي في القرن السادس قبل الميلاد والذي كان أول من رسم الهند جغرافياً وعلى أن الخريطة مختلفة على ما نعرفه عن الهند حالياً إلا أنها أثارت شهية العالم لمعرفة الهند أكثر بالإضافة إلى الشعوب التي تعيش فيها، ومن تلك اللحظة بدأت الهند تغزوا العالم بقوتها الناعمة لغوياً وتجارياً وفكرياً.
أما لغوياً فتأثرت كثير من اللغات باللغة السنسكريتية القديمة إلى أقصى الغرب ولا يزال اللغويون يرون هذا التأثير إلى يومنا الحالي، أما تجارياً فتحولت الهند منذ ذلك الوقت إلى المورد الأول للأسواق العالمية وفي مقدمتها البهارات والأرز وملايين الأصناف دون استثناء، كذلك اقتحمت الثقافة العالمية وكانت مؤثرة لها على جميع الأصعدة العلمية والمعرفية والفلسفية وحتى الدينية إلا أن التاريخ لم يعرف جيشاً خرج منها إلا في الحالات النادرة والتي لا تتجاوز حدود الدفاع عن النفس.
يخيل لك من هذا التاريخ الممتد من أكثر من 4 آلاف سنة من التاريخ المدون أن الهند تقع في منتصف العالم وليس في طرفها لتأثيرها الواسع وكذلك لوجود جميع التناقضات فيها وهذا ما يشكل لدى القراء لها في الماضي والحاضر والمستقبل إنبهار حقيقي يجعلها في نظري خارجة عن ما يدور من أحداث وتحديات في هذا الكوكب فمثلاً :
تعتبر الهند من أغنى دول العالم فهي ثالث دولة في العالم من حيث عدد المليارديرات، بعد الولايات المتحدة والصين حيث يملك 1 % أكثر من 40 % من ثروة البلاد، ولاية أوتار براديش في الهند لديها أكبر عدد من أصحاب الملايين وفي المقابل بحسب تعريف الصندوق الدولي لمفهوم خط الفقر فالهند لديها 224 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر فهم يشكلون ما نسبته 16 % من سكان الهند.
تقارن الهند بالدول الغربية المتقدمة بل تنافسها ففي مجال الفضاء أطلقت مركبة Mangalyaan في عام 2013 ودخلت مدار المريخ في عام 2014. كان هذا إنجازًا تقنيًا كبيرًا للهند، ونووياً يعد البرنامج الهندي للطاقة النووية الأكثر تقدماً في العالم ومصدر فخر للهند، وفي تكنولوجيا المعلومات تعد الهند اللاعب الرئيسي في هذا المجال ولديها أكبر وأهم الجامعات التي خرجت أكبر عدد من المهرة في هذا المجال، وفي المجال الطبي الهند منتج مهم للأجهزة الطبية والمستحضرات الصيدلانية وفي المقابل تمثل الأمية 28 % وهم 287 مليون أمي من أجمالي السكان وهذا يعتبر العدد الأضخم.
أما دينياً فالهند تعتبر من الدول الأكثر احتضانا لكم هائل من المعتقدات ويوجد فيها أغلب الديانات السماوية منها والوضعية والتي تتجاوز 14 ديناً بخلاف المذاهب المنشقة منها والتي تتجاوز المئات، ويلاحظ كثير من الباحثين أن الخريطة الدينية في الهند تتجه للتغير بحكم العلمانية واتجاه الناس إلى التخلص من بعض العادات والمعتقدات الموروثة
وفي اللغة فلا يمكن لدولة أو حضارة ما أن تنافس الهند في الثراء اللغوي فهي موطن 100 لغة وهذه اللغات نتيجة لتاريخ طويل ومعقد.
** **
إبراهيم المكرمي - كاتب وروائي