د. أوس عبدالجبار الجبوري
بعد أن استهلكت عناوين البحث التاريخي في الجوانب السياسية والعسكرية وأصبحت تعاني من إسهاب في هذه المواضيع حتى أن باحث علم الاجتماع الكبير علي الوردي يقول : إننا نعلم عن حياة الملوك والأمراء أدق التفاصيل لكننا لا نعلم عن حياة المجتمعات المغلوبة أي شيء.
عرفت الباحث والروائي السعودي عبدالرحمن الجهني من خلال كتابهِ الشهير «الصحابة الذين يتكلمون اللغات الأجنبية» إذ أحدث صدىً كبيرًا وإضافة ثرية للمكتبة العربية.
إن فكرة الكتاب قائمة على التركيز على الجوانب الحضارية وتسليط الضوء على جوانب اجتماعية في القرن الأول الهجري كانت مهملة فإننا ليس لدينا أي تصور عن طبيعة الحياة الاجتماعية آنذاك ليس لدينا فكرة عن المأكل والملبس وثقافة الطعام ونمط العيش إلا في كتابات بسيطة لم تكن شاملة لكافة جوانب الحياة الاجتماعية.
جاء الجهني هنا ليسلط بحثه الضوء على زوايا مفقودة ومغفلة في ميدان البحث التأريخي وتحديداً التأريخ الاجتماعي، إن كتاب «الصحابة الذين يتقنون اللغات الأجنبية في عهد النبي» هو موضوع رصين وغاية في الأهمية فهو يعطينا تصوراً كاملاً عن الصحابة الذين كانو يتقنون لغات مختلفة تم توظيفها في خدمة الدعوة الإسلامية ليس ذلك فحسب بل إنه يدلّل على التنوع الثقافي الذي كانت تعيشه المدينة المنورة من تعدد للأعراق والأجناس واللغات.
يعمل البحث على تقديم تراجم كاملة لكل صاحبي تحدث بأكثر من لغة وفق دراسة كمّية علمية محكمة تسهل للباحثين مستقبلاً عملية البحث عن الصحابة غير العرب أو العرب المتحدثين بأكثر من لغة فضلًا عن اللغة العربية وهنا تكمن اهمية هذه الدراسة.
كيف تميز الجهني في البحث التاريخي ؟
الجهني هو من مواليد المدينة المنورة لكن هذا لم يكن العامل الوحيد الذي دفعه إلى التميز في هذا المجال أن ما شغفه في التأريخ والتراث وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يترك الجهني موقعًا ولابئرًا ولا مسجدًا ولا نقشًا إلا وقف عليه و دون مشاهداته وملاحظاته عنه مما انعكس ذلك على كتاباته التاريخية ودفع ذلك إلى أن تتشكل له رؤية خاصة تجاه التاريخ والسيرة النبوية ومنهج خاص قائم على الدراسات الكمية والجوانب الاجتماعية من حياة الإنسان في أي حقبة كانت فهو يرى أن الجانب الاجتماعي هو الأساس الذي يعطي القارئ تصورًا دقيقا عن طبيعة الحياة في أي حقبة كانت .
«سعودي في بيروت عام 1955» هي روايته التي أحدثت ضجة كبيرة داخل الأوساط الأدبي فقد عمل من خلال هذا العمل على توظيف النص التاريخي في العمل الأدبي توظيفا رائعًا واستخدام ما يمتلكه من ملكة أدبية كبيرة ولغة عربية عالية في هذا العمل.
والجدير بالذكر أن هذه الرواية مستوحاة من قصة حقيقية تدور أحداثها حول والد الجهني رحمه الله تعالى فالرواية تسرد لنا قصة حول سليمان ذلك الرجل العصامي الذي عانى شظف العيش والمعاناة واليتم وقصته هذه هي جزء من تاريخ المملكة العربية السعودية في فترة الخمسينيات وطبيعة الحياة الاجتماعية في تلك الفترة .
إن الجهني اثبت كفاءة عالية في ميدان البحث التأريخي سيما في كتابه الأخير «الصحابة الذين يتقنون اللغات الأجنبية في العهد النبوي» فضلًا عن إبداعيه في الميدان الأدبي والرواية .
** **
دكتوراه في التأريخ والفنون - باحث في التأريخ والتراث - أربيل العراق