خالد بن حمد المالك
ليس هناك أسوأ من أن يكون هناك توتر في العلاقات بين دولتين جارتين، وأن يقفز هذا التوتر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، ومن عدم وجود أي تعاون بين البلدين، وأن يكون هناك شك في النوايا، وخلو العلاقات بينهما من أي تفاهمات تزيل الترسبات والخلافات والشكوك في النوايا، وتاليا عدم إيقاف التصعيد في الممارسات التي تغرق البلدين في قضايا لا مصلحة لهما فيها.
**
ومتى ساءت العلاقات بين بلدين، فإن مصالحهما سوف تتأثر سلباً، وكلما طال أمد الخلافات، اتسعت هُوته، وزادت عوامل الشحن السلبي في عدم تطويقه والسيطرة عليه، وثم معالجة آثاره على النحو الذي يخدم الطرفين، فيما أن ترميم أسباب التباين في المواقف، وتقريب وجهات النظر تكون أسهل وأيسر مع الإسراع في الاستجابة للتفاهم بما يخدم المصالح المشتركة.
**
والعلاقات السعودية - الإيرانية مرت بمراحل عدة من التصعيد والتدخل في الشؤون الداخلية، ونتيجة لذلك تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ولاحقاً كان التصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي، أما وقد عادت العلاقات فلا أحبذ إثارة تفاصيلها، وأسبابها والمتسبب فيها، والظروف التي صاحبت قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
**
الآن والعلاقات يفترض أن تعود إلى طبيعتها وإلى ما يجب أن تكون عليه بعد سنوات من القطيعة، ومرارات من الممارسات، والتوجه الجميل الآن نحو ما هو أفضل، بإرادة لديها العزم من الجانبين في بناء أفضل العلاقات، والتأكيد على تجاوز المحن والخلافات السابقة، تعززها الرغبة المشتركة في التعاون في كل المجالات، ونسيان كل ما كان سلبياً في علاقات البلدين، فإننا بذلك نكون أمام مرحلة جديدة ومضيئة ومشرقة في علاقات الرياض وطهران.
**
المؤشرات في ذلك كثيرة، أبرزها دعوة خادم الحرمين الشريفين للرئيس الإيراني لزيارة المملكة وقبول الأخير لها، ثم زيارة وزير الخارجية الإيراني للمملكة ومباحثاته مع نظيره وزير الخارجية السعودي، وما عبرا عنه في مؤتمرهما الصحفي من توجه إيجابي نحو تعاون غير مسبوق بين بلديهما، خاصة مع إعلان وزير الخارجية الإيراني عن دعم إيران لاستضافة المملكة أكسبو 2030، وهو موقف رمزي يعبر عن أن إيران ملتزمة في كل ما اتفقت عليه مع المملكة لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهذا ما نأمله.
**
في المؤتمر الصحفي للوزيرين، كانت هناك ما يمكن للمتابع أن يتوقف عند كثير مما قالاه، فقد كانا واضحين في تأكيدهما على التوافق في وجهات النظر، وعلى الرغبة المشتركة في الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه، وعلى فتح المجال أمام تبادل الزيارات في مختلف النشاطات والفعاليات، والتنسيق دبلوماسياً مع بعضهما في المواقف التي تستدعي ذلك، وتجنب أي موقف قد يكون سبباً في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وترحيب إيران بعودة علاقاتها بالمملكة ومع عدد من الدول الخليجية والعربية.
**
إيران دولة جارة، وشعبها شعب مسلم، وهناك مصالح مشتركة تجمعها بالمملكة، وأولى بها أن تكون على وفاق مع المملكة، وعلى مستوى عال من التنسيق في السياسات مع جارة كالمملكة، خدمة لمصالح الشعبين الشقيقين، وآن الأوان لشعوب منطقة الخليج أن يستريحوا من الخلافات، والصراعات والمؤامرات والتدخل في شؤونهم الداخلية، وأن يفتحوا باباً واسعاً للتعاون الصادق والمثمر بين إيران وهذه الدول، منعاً للتدخل الأجنبي، وحماية للمنطقة من المتربصين بدولها، ممن يسعون لاستنزاف خيراتها، حيث إن تفعيل الاتفاقيات، وتحسين العلاقات، وزيادة التعاون، يحول دون تحقيق أي أطماع خارجية بدول المنطقة الخليجية.
**
كل ما نتمناه تعزيزاً لهذا التوجه الإيجابي في علاقات إيران بالمملكة ودول الخليج أن تعيد إيران النظر في علاقاتها مع ميليشيات حزب الله والحوثيين، لترسيخ الأمن والاستقرار بالمنطقة، وأن تتجنب طهران إثارة الخلافات حول حقل الدرة، في ظل الأجواء الأخيرة التي سادت مباحثات الرياض بين وزيري خارجية البلدين.