د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
التعليم عنصر محقق للنهوض الحضاري والتنموي وهو منحة داعمة للوجود البشري النامي وفي كل انتقالاته يعتمد على البعد الاستراتيجي وإدراك الصورة الكلية للمتطلب التعليمي العصري حيث تقوم صناعة التعليم والاستثمار فيه عندما تُضاءُ المعارف من خلال ذراع المعرفة الغزيرة والابتكار الأغزر وهو يمنح لأبنائنا وبناتنا مفتتحاً لمتطلبات التنمية المستدامة, كما أنَّ المعرفة صناعة فلابد لها من أدوات وشروط ليتحقق منها دعم المتعلمين ومساعدتهم على اشتقاق ونشر وتوزيع المعرفة وليس مجرد استطلاعها وحفظها لاستدعائها أو مراجعتها قبيل الاختبارات الدورية والختامية ولكن لابد أن ننطلق وفق خيارات متنوعة، عندما يكون تركيزنا الأكبر على محتوى البيئات التعليمية لتكون ثرية وفيرة وأن يرتقي سقف الأهداف عند المؤسسات التعليمية ليتحقق للمتعلمين اكتشاف الواقع الجديد من خلال البيئات التعليمية الجديدة, وتعزيز قدرة المتعلمين على الانخراط والتأمل عبر كثير من الفرص البيئية المتاحة الغنية بالمعارف وملأى بالاختيارات والأنشطة والموارد والأدوات والمنصات الرقمية ومساحات العمل المشترك ومساحات التعلم الشخصي وكل ذلك لايمكن أن يتحقق في ظل نظام تعليمي محدود الكفاءة.
كما أن الأهداف لا تنبُتْ وحدها. والإنجاز يقوده معلمون مؤهلون وحضورهم في أذهان المتعلمين لابد له من سياسات تعليمية مبتكرة يتم فيها صياغة التعليم والتعلّم دون تجزئة العناصر التي تُشكّل منظومة تعليمية متكاملة, وتأسيساً على ذلك يكون الإعلان الملزم عن الكفايات والمهارات التي يحتاجها المتعلمون لتقديمهم للعمل والحياة...
إن مسؤولية التعليم، وقواعد السلطة التربوية المتصلة بحياة الناس هي التي تضع للمتعلمين قوانينهم, وأن تلك المسؤولية ليست مواسم فتخبو ولكن جذور استنبات التعليم منذ الغراس الأول فالأطفال يولدون وعقولهم محايدة وجاهزة للتعبئة؛ ولذا فإن كسب السباق للوصول إلى تلك العقول يكون في إفساح المجالات المعرفية العديدة لكل ذكاءات الطلاب المتعددة, وأن تكون المعارف المقدمة لهم مثيرة محملة بالجديد والمدهش الذي يتحدى العقول, ومن هنا نجزم أن تداول مشاعل المعرفة لابد أن يحدث وفق طقوس سامية لا تشبه كثيراً مما يحدث الآن.
كما أن قطارات الوصول تتطلب وقفة كبرى نحو التعليم كنظام وممارسة, والتعليم كمحتوى ومنهج؛ وأحسب أن الاستثمار في العقول يتطلب شيئاً من المغامرة في ارتياد مساقط الغيث ذلكم ما يخص التركيز على المدخلات المعرفية من خلال المناهج التي تصنع الفكر الحي، كما يجب أن تتربع إستراتيجيات ذهنية حكيمة في توجيه المتعلمين للفرص المعرفية التي تقودهم بعد استيعابها فكراً وتطبيقاً إلى أن يكونوا رواداً في مجالاتهم، ومن هنا تأتي أهمية التركيز الأمثل على تحديد الميول والاتجاهات للأجيال في مراحل التعليم العام ومن ثم تحقيقها؛ وحتماً سيكون حصاد ذلك وفيراً حيث إن اتساق مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية لن يحملها قطار آخر إلا من خلال تحفيز الميول والاستعداد لدى المتعلمين وترقيتها إلى منصات الوصول الكبرى, فهناك مدارج احتياج لا يرقاها المتعلم لأنه امتلأ بما لا يناسبها.
وعموماً فإن مسارات الوصول إلى تحقيق الاستراتيجية التنموية من خلال التعليم تتطلب تقويماً عاجلاً لأراضي استزراعه ومؤسساته ورصد العثرات في واقع التنفيذ والإعداد والمدخلات المعرفية، ومن ثم بناء أولويات الإصلاح بناءً يقوم على قواعد تأسيسية قوية تتحمل محمولات التطوير القادمة، وسوف يكون ذلك بإذن الله كسباً وفيراً محصّلته نتائج داعمة لتحقيق ذات التعليم المفقودة بين أهلها..
نعم نحتاج إلى أزمنة تعليمية يقظة لا يعتريها الخور في بعض مسيرها؛ ولابد من تمكين الطلاب من التقاط اللحظة، وتأسيس اليقين المدرسي عندهم بأهمية النمو التعليمي, وأن الوقوف انحدار مؤلم مع تمنياتنا بعام دراسي مجزٍ وسعيد.