د. إبراهيم بن جلال فضلون
«تصحر سياسي» على الرغم من مواردها الطبيعية التي لا تُعد على صحراء تسيطر على قرابة 70 % من أراضي البلاد، وسط منطقة الساحل شبه القاحلة غير المستقرة جنوب الصحراء الكبرى، مُطلقاً عليها «حزام الانقلابات الإفريقي»، كما حدث في دول (مالي وبوركينا فاسو المجاورتين)، ناهيكم عن التدخلات الإرهابية وغيرها في القارة الغنية بالخيرات الطبيعية ومواردها، التي لم يمنعها من التمرد وتبديل ملابسها من الرؤساء، فنيجيريا قد أصبح بازوم رئيساً سابقاً ينضاف إلى لائحة طويلة من حكام عاشوا في قصر نيامي الرئاسي وسط عوامل سياسية وأمنية وبيئية تقاطعت مع التدخلات الدولية وحدت من الاستفادة المثلى منها، منذ أن نالت استقلالاً رمزياً عن فرنسا سنة 1960، وتولى «ديوري» الحُكم على مدار 14 عاماً، انتهت بانقلاب عسكري أطاح به، لتتكرر الأعوام بفترة الضابط سيني كونتشي، ليُغادر الحياة عام 1987، ويخلفه العقيد علي سايبو، الذي أدار واحدة من أطول الفترات الانتقالية في العالم حتى عام 1993 بانتخاب السياسي ماهامان عصمان رئيساً للبلاد، ثُم تم خلعهُ بانقلاب عسكري في 27 يناير 1996وخلفهُ العقيد إبراهيم مايناسارا، الذي سقط برصاص أحد جنود العقيد مالام وانكي في كمين بمطار نيامي في 9 أبريل 1999، وبعد عدة شهور سلّم الحكم للرئيس مامادو تانغا الذي حكم لعشر سنوات، انتهت في 2010 بانقلاب عسكري، بقيادة العقيد سالو جيبو وحكم البلاد عبر مجلس عسكري سماه «المجلس الأعلى لاستعادة الديمقراطية، حتى مجيء الرئيس محمدو إيسوفو السلطة، ثُم صديقه محمد بازوم الذي انتهى به المطاف في خيانة بتحديد إقامته ومنعه من استخدام سلطاته التي قد تنتهي بنجاح ذلك الانقلاب الأخير -الذي شكله الانقلابيون- وأقاموا على أمل قطعته أحذية العسكر الخشنة، وحولته إلى ندوب في جسد النيجر، ما لم تتدخل دول مجموعة غرب إفريقيا (إيكواس) عسكرياً في العاصمة نيامي جراء الإطاحة بالرجل العربي الذي حكم في حالة استثنائية بلداً من أغلبية زنجية، وإمهال العسكريين 15 يوماً لإعادة «السلطة الدستورية».
واحدة من أفقر الدول التي ينطق البؤس بحالها رغم أنها تكتنز ثروات هائلة، كانت ولا تزال منذ أكثر من قرن مجال استنزاف من قوى خارجية، فتأتي بالمرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة) وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، و50 % من الأطفال في عمر التعليم غير مقيدين بالمدارس، في بلد هي سابع أكبر منتج لليورانيوم بالعالم، يصل «نصيب الفرد من الدخل القومي نحو 540 دولاراً عام 2020»، بحسب بيانات البنك الدولي، أما بيانات عام 2022، فأوردت أن «الناتج الإجمالي نحو 14 مليار دولار بنمو بقيمة 11.5 % سنوياً، وكذلك النمو في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي يساوي 7.4 %، في حين كانت إيرادات الموارد النفطية في 2021 نحو 0.6 %، وعلى الرغم من ذلك تتلقى مساعدات تنموية رسمية تقدر قيمتها بنحو ملياري دولار سنوياً، وهي شريك أمني رئيسي لبعض الدول الغربية باعتبارها البلد الرابع عالمياً في تصدير اليورانيوم، الذي يشع بالطاقة في مدن العالم، بينما تلتحف مدائن النيجر الظلام والأزمات الاقتصادية، واحتياطيها من اليورانيوم في المرتبة الأولى عالمياً، وهي واحدة من أكبر 10 منتجين لهذا المعدن في العالم. لتُقاتل فرنسا عن آخر طبق في مائدتها الساحلية كونها «تقتات» بثلُث حاجتها يورانيوم من النيجر المُستخدم في مفاعلاتها النووية. وأميركا الذي يتهدد وجودها في إفريقيا لاسيما بوجود قوات فاغنر بالجوار الإفريقي، مُستغلاً صراعات ذات طبيعة عرقية محلية في القارة السوداء، ووصف زعيمها يفغيني بريغوجين ما جرى في النيجر بأنه «كفاح ضد المستعمرين»، والجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وأخواتها في تنظيم القاعدة، ومتفرعاتها في منطقة الساحل، إضافة للتواجد الصيني نحو الاستثمار في إفريقيا.
انقلاب يحكمهُ صراع النفوذ مغتالاً ديمقراطية وليدة، لفتت أحداثه المتوالية إلى سيطرة لعنة الموارد على الدولة، فبوصفها بلداً حبيساً من دون ميناء أو بنية نقل تحتية متطورة، يُشرق يوماً جديداً على عاصمته نيامي ضمن سلسلة انقلابات جمة، حاملاً معه كثيراً من الحر والترقب والاضطراب، بقصة إخفاق سياسي إفريقي، أمامه فساد وعجز المدنيين، وتركيز الجماعات الإرهابية هجماتها على مناطق تصدير النفط الخام النيجيري، أثار الخلافات حول البنية التحتية النفطية في النيجر، قال عنها الباحث النيجري يانيك شريت «بعد تجاوز لعنة الموارد وتركيز نماذج الدولة الريعية على البحث عن الريع المصحوب بالجشع، فإن الخلافات حول البنية التحتية النفطية في النيجر تكشف عن جوهر السياسة والمجتمع اليوميين في لحظة دخول عصر النفط، أي المحتوى المحلي».
دولة «الكعكة الصفراء التي ظُلم بها العراق عهد الراحل صدام حسين، بـ «الوثيقة المزورة التي ورد فيها أن العراق حاول شراء اليورانيوم من النيجر أعدها موظفان في سفارة النيجر بروما لحساب عميل لدى الاستخبارات الفرنسية»، تم على أثرها استدعاء وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للشهادة أمام الكونغرس في إبريل 2007، وهي المزاعم التي استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لتبرير الحرب على العراق، وفق ما جاء في خطاب جورج بوش يناير 2003 إن «صدام حسين سعى إلى امتلاك كميات خطرة من اليورانيوم من إفريقيا»، واستند بوش إلى معلومات استخباراتية إيطالية تناولت صفقة عراقية لشراء 500 طن من اليورانيوم من النيجر، وأشارت إلى اتفاق بين نيامي وبغداد لبيعه بين عامي 1991 و2001، لكن حكومة النيجر آنذاك نفت أنها باعته للعراق، ووصفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها إلى مجلس الأمن بأنها وثيقة مزيفة، حتى جاء عام 2005 بدليل جديد على ضعف المخابرات الأمريكية وأنها ألعوبة الخارج، فقد أقر مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي أنه التقى قائد الاستخبارات الإيطالية في سبتمبر 2002 واعترافهُ أنهم زودوا واشنطن بوثيقة مزيفة عن صفقة يورانيوم بين العراق والنيجر.