د. محمد عبدالله الخازم
أكثر من 8.5 مليون طالب، بحراك اقتصادي يتجاوز 400 مليار دولار (تريليون ونصف تريليون ريال) من النفقات السنوية المباشرة، سيسافرون للدراسة خارج بلدانهم بحلول عام 2030م. هل نريد أن نكون جزءًا من هذا الحراك الطلابي العالمي، علمياً واقتصادياً وثقافياً، الذي يقود إلى صنع أجيال منافسة عالمياً؟
بدأ برنامج الابتعاث السعودي قبل 90 عاماً تقريباً، وتحديداً أسست مدرسة البعثات عام 1936م وسبقها إرسال أول دفعة من الطلاب للدراسة بالخارج وكان عددهم 14 طالباً. ووفق وزارة التعليم، تم ابتعاث قرابة نصف مليون خلال الخمسين عاماً الماضية. الفكرة الرئيسة للابتعاث التي لم نستطع تجاوزها كانت في تأهيل الكوادر القادرة على شغل الوظائف.
ما الذي تغير خلال تسعة عقود من الزمن؟
تغيرت الإجراءات والمميزات والمسارات والإعداد صعوداً وهبوطاً، لكن الفلسفة لم تتغير رغم وفرة التعليم الجامعي المحلي والانتقال من ندرة الكوادر التي تشغل الوظائف إلى بطالة الكوادر التي لا تجد وظائف. تسعة عقود، لم تمس الفكرة الرئيسة، نبتعث الناس للحصول على درجات علمية لكي يعودوا فيشغلوا الوظائف. حتى جامعاتنا ترسل الأساتذة للحصول على الدرجات العلمية في الخارج، دون أن تطور -عملياً- أية فكرة أخرى في مجال التبادل المعرفي. لست أفهم لماذا؟ هل هو جمود فكري أم عدم ثقة في قدرتنا الولوج في هذا الحراك الدولي، مثلما يفعل الآخرون؟!
نكرر الأفكار من باب التذكير أو مخاطبة جيل جديد من المسؤولين والمهتمين، عليه التفكير بطريقة مختلفة. الفكرة التي أكررها، هي تحول الابتعاث من مجرد الحصول على درجات علمية لنخب معينة إلى إكساب أكبر عدد من أبنائنا وبناتنا خبرات دولية. وبشكل أوضح، علينا تبني فكرة التبادل الطلابي، فبدلاً من بعث ألف طالب للحصول على الدرجة الجامعية، يمكننا إرسال عشرة آلاف طالب وطالبة من جامعاتنا للحصول على خبرات دولية لمدة فصل أو فصلين دراسيين في الجامعات العالمية. وبالمثل نستقبل الطلاب الأجانب في جامعاتنا يثرون الفكر الأكاديمي والثقافي والاجتماعي في جامعاتنا ومجتمعنا. طبعاً، نريد أن يشمل ذلك التبادل الطلابي الداخلي بين جامعاتنا ومناطقنا.
نحن نبتعث للولايات المتحدة الأمريكية، لكن هل يعلم المتلقي أن هناك نصف مليون طالب أمريكي يصنفون مبتعثين بحكم التحاقهم ببرامج التعاون الدولي وقضائهم فصلاً أو فصلين في مختلف جامعات العالم الأوربية والأمريكية والآسيوية. وهل يعلم أن كندا وهي ضمن الأفضل عالمياً تدعم ربع مليون من طلابها وطالباتها للالتحاق ببرامج التعاون الدولي وتستقبل مثلهم من دول العالم في برامج لا تتجاوز العام أو العامين. ومثلهم أستراليا والمملكة المتحدة وغيرها من الدول. يهتمون بإكساب الطلاب خبرات خارج أوطانهم تسهم في نموهم وتطورهم وقدراتهم الحياتية والثقافية والعلمية والمهنية، فهل نتعلم منهم؟!
وفي سياق التعاون الدولي، كتبت بأن جامعاتنا تعاني العزلة وغضب البعض من ذلك الوصف، لذا أعيد الصياغة؛ أغلب جامعاتنا لا يوجد لديها رؤية/ برامج واضحة في مجال التعاون الدولي وأهم أركانه التبادل الطلابي. لا يوجد لدى أغلبها أو لدى مجلس شؤون الجامعات أو وزارة التعليم إستراتيجية واضحة في هذا الشأن، سواء على مستوى التبادل الطلابي أو تبادل الأساتذة أو على مستوى التبادل والتعاون المعرفي الدولي بصفة عامة.
خلاصة القول، هل نريد أن نكون جزءاً من الحراك الدولي الجامعي الحديث أم نكتفي بفكرة الابتعاث نفسها التي زرعناها قبل تسعة عقود من الزمن؟!