د. علي بن صالح الخبتي
أيها المعلمون هذه رسالتي لكم من واقع خبرتي الطويلة كمعلم للمرحلة الابتدائية وكمعلم للمرحلة المتوسطة وكأستاذ جامعي وكمدير تعليم وكوكيل لوزارة التعليم.. أقول لكم ونحن في بداية العام الدراسي الذي يبدأ هذا الأسبوع إنكم تحملون رسالة عظيمة هي رسالة الأنبياء.. تعلّمون الدين وتعلّمون اللغة وتعلّمون الفضيلة وتعلّمون الأخلاق وتعلّمون الولاء لولي الأمر والوطن وتعلّمون الاجتهاد والتفاني والعمل الجاد والإبداع والنجاح.. تقومون بكل هذا وأنتم تدركون أهمية ما تقومون به وانعكاس ما تقومون به على جميع مناحي التنمية في الوطن.. تدركون أن نجاح التنمية هو نجاح الوطن ورفعة الوطن وتقدم الوطن وتمكين الوطن من المنافسة في هذا العالم الشرس.. تدركون أن نجاحكم في تعليم ناشئة الوطن هو نجاح للوطن وإخفاقكم هو إخفاق للوطن.. تقومون بهذا وأنتم تدركون أهمية وحساسية وصعوبة هذه المهمة العظيمة المقدسة..
أيها المعلمون، تدركون أن لوطنكم رؤيةً طموحةً جداً ولها مستهدفات طموحة جداً وتتطلب جهد كل فرد منكم لإكساب ناشئتنا مهارات عالية جداً تكفل لوطننا مكانة عالية جداً.. وتدركون أننا نعيش عصراً مختلفاً يتطلب جهداً مختلفاً.. عصراً مهماً وخطيراً ومتناقضاً لا بد أن نكون فيه واعين ومدركين لما يتطلبه هذا العصر لكي نمضي ببلادنا إلى مصاف العالم المتقدم والمتطور.. تدركون أيها المعلمون أن المسرح المجتمعي لم يعد ذلك المسرح البسيط الذي تتناغم فيه كل ما يجري في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي المسجد.. في السابق كان في المنزل جهاز تلفون واحد وقائمة تلفون واحدة لكل العائلة ومعروف من الذين يتم التواصل بهم ومن هم الذين يتم استقبال المكالمات منهم، أما الآن فقد أصبح لكل فرد في العائلة جهازه الخاص ورقمه السري ولم يُعرف من الذين اتصل بهم ومن الذين يتصلون به، ولم يُعرف مصادر الفكر التي تشكل عقلية الأبناء.. ولهذا فإن الخوف هو أن يُهدم في آخر النهار ما يتم بناؤه في أوله في المدرسة.. ومن هنا جاءت صعوبة الدور الذي تقومون به.. ولهذا يجب أن تدركوا أيها المعلمون أن تعريف المدرسة في هذا العصر اختلف كثيراً عن تعريف المدرسة في السابق والدور الذي تقوم به المدرسة في هذا العصر يختلف كثيراً عن الدور الذي كانت تقوم به في السابق عندما كان المسرح المجتمعي متناغماً..لأنكم كي تربوا وكي تعلموا وكي تكسبوا مهارات التألق والإبداع يجب عليكم أن تعرفوا ما بداخل الصندوق الأسود، ما بداخل عقل هذا الطفل من مبادئ وخلق ومُثُل، تعززون الإيجابي منها وتعالجون السلبي.. دور المدرسة اليوم يجب أن يبتعد عن تلقين المعلومة.. فالمعلومة اليوم ليست تعليماً حقيقياً..التعليم الحقيقي هو إكساب المتعلم مهارات التفكير ومهارات الإبداع ومهارات التعامل مع المشكلات ومهارات التعامل مع الأفكار التي تتناقض مع أفكار وطنه ومبادئ وأخلاق وفضيلة وطنه الذي يعيش فيه.. يجب أن يكون هناك حوارٌ مع المتعلمين.. يجب أن نتأكد أن تعليمنا يُكسب المهارات التي تمكن بلادنا من التنافس مع العالم الذي نعيش فيه.. المنافسة الآن في العالم شرسة، وشرسةٌ جداً تتطلب تعليماً معاصراً يعرف مشكلات العصر، يعرف كيف يجب أن يتعامل المتعلم مع هذه المشكلات.. تعليماً يكسب المتعلم القدرة على توقع المشكلات التي تصادف وطنه ومجتمعه هو بنفسه ويتم التعامل معها بإيجابية.. تعليماً يكسب المتعلم المارات التي تمكنه من قبول الأفكار التي تتفق مع عقيدته وعادات بلاده وتقاليدها ويرفض أي شيء يتعارض مع كل ذلك.. تعليماً يكسب المتعلم كيف يمكن أن ينافس في هذا العصر.. تعليماً يكسب المتعلم كل الأسس التي بُنيت عليها رؤية بلاده 2030 وكيف يمكن أن يساهم كل فرد بنفسه أو ضمن فريق عمل أو مؤسسة في تحقيق مستهدفات هذه الرؤية الطموحة التي بإذن الله تحقق لبلادنا مكانة متقدمة في هذا العالم..
أيها المعلمون عالمنا اليوم لم يعد فيه مكانٌ للكسالى والمتخاذلين والجهلة ويتطلب تعليما مبنياً على إكساب المهارات لا المعلومات.. وكما نعلم اليوم الجهاز الصغير الذي في جيوبنا يمكن أن نعرف من خلاله أي معلومة في ثوانٍ قليلة ولهذا من غير المقبول أن يقبع الطالب في الفصل لساعات طويلة وهو يتلقى معلومات يمكن أن يأخذها من جهازه الصغير في جيبه في ثوانٍ في الوقت الذي يجب أن يكتسب مهارات التفكير ومهارات الإبداع ومهارات التفوق ومهارات توقع المشكلات والتعامل معها.. أيها المعلمون التعليم اليوم يتطلب منكم متابعة المستجدات في هذا العصر ومواكبتها..
وخلاصة القول أيها المعلمون، إن مدرسة اليوم لم تعد مدرسة الأمس..مدرسة اليوم عليها مسؤوليات كبيرة أنتم أيها المعلمون أهلٌ لها.. أنتم أيها المعلمون الذين يجب أن تدركوا حساسية هذا العصر وأهمية هذا العصر وخطورة هذا العصر وما يجب أن يتم تعليمه لابنائنا من مهارات الإبداع ومهارات التفكير حتى نحقق مستهدفات رؤية بلادنا بنجاح.. وحتى تنافس بلادنا على الأماكن المتقدمة بين دول العالم.. أيها المعلمون وفقكم الله وأعانكم.. ونحن وبلادنا في عزة وأمن.