د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
هذا العنوان صادر من منتدى الطاقة الدولي الذي يعترف بأن المبادرة العالمية الواسعة النطاق للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحقيق أهداف صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 أكثر تعقيداً مما كان يظن سابقاً، وخرج المنتدى بهذا التقرير الذي هو خلاصة سلسلة من الحوارات التي عقدت على مدى الأشهر العشرة الماضية في كيب تاون، وبالي، والرياض، وواشنطن، وبنما، ودافوس، بالإضافة إلى موائد مستديرة عقدت في هيوستن الذي نظمته إس اند بي غلوبال.
وخرج التقرير إلى أن أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف يبطئ حركة الانتقال، بسبب تنافس أهداف المناخ مع الأولويات حول أمن الطاقة والوصول إلى الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف، حيث يظهر تقرير الأمم المتحدة أن 75 دولة قدمت مساهمات محددة وطنياً، فإن التأثير المشترك يضعها على طريق خفض الانبعاثات بنسبة 1 في المائة فقط بحلول 2030 مقارنة بمستويات 2010 في حين المطلوب خفضها بنحو 45 في المائة، وفي نفس الوقت لم تفِ الدول المتقدمة بتعهدها لتقديم 100 مليار دولار سنوياً إلى البلدان الفقيرة باعتبارها مسؤولة عن الانبعاثات منذ الثورة الصناعية، والذي نتج عنه كما يعتقد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الخامس في 2014 ارتفاع المتوسط العالمي لدرجات الحرارة بمقدار 085 درجة مئوية خلال المدة بين عامي 1880 و 2012 مع الإشارة إلى أن العقود ال3 الأخيرة كانت أكثر ارتفاعاً، والتي يمكن أن ترتفع إلى 3 درجات عام 2100.
ومن المتوقع أن تصل إلى 1.5 أو 1.6 درجة بحلول 2040 فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية رغم جراء قيود الإغلاق المرتبطة بكورونا عام 2020 فقد استمر ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستوى قياسي عند 149 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، لذلك يمكن الوقوف عند اتهام الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الانبعاثات من الوقود الأحفوري شكل 89 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عام 2018، بينما توقع تقرير صادر من منظمة أوبك ارتفاع إجمالي الانبعاثات المرتبطة بقطاع الطاقة بنحو 6.2 في المائة لتصل إلى 34.4 مليار طن بحلول عام 2045، ووفقاً لموقع Carbon Brief عام 2021 فإن الأنشطة البشرية ضخت حوالي 2500 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ 1850 علماً أن مستويات ثاني أكسيد الكربون كانت قبل الثورة الصناعية حوالي 280 جزءاً في المليون بينما بحلول 2013 كان هذا المستوى قد وصل إلى علامة 400 جزء في المليون لأول مرة، ووجد تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة ارتفعت بنسبة 6 في المائة في 2021 وهي تلتقي مع أرقام منظمة أوبك بلغ 36.3 مليار طن شكل الفحم أكثر من 40 في المائة من النمو الإجمالي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عند 15.3 مليار طن في حين بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي 7.5 مليار طن ومن النفط نحو 10.7 مليار طن، وأشارت الدراسة إلى ان الدول الصناعية تسببت في 92 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة بينم أبلغت انبعاثات دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مجتمعة 8 في المائة بالطبع الصين مسؤولة عن 30 في المائة والولايات المتحدة نحو 15 في المائة والاتحاد الأوروبي 10 في المائة والهند نحو 7 في المائة وروسيا نحو 5 في المائة.
غيرت الحرب الروسية الأوكرانية عقيدة أمن الطاقة، فبلغاريا تعتمد على الفحم لإنتاج ثلث احتياجاتها من الكهرباء وفي بعض التقديرات تصل إلى 45 في المائة، كذلك بولندا تلقى النصيب الأكبر من الانتقادات الأوروبية بشأن اعتمادها على الفحم يجعل الأنظار تبتعد عن بلغاريا، فأزمة الطاقة في بلغاريا تمتد إلى عدد من الدول وتحولها إلى أزمة من أزمة وطنية إلى إقليمية مما يعوق عملية التحول في أوروبا.
لذلك أكد الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي جوزيف ماكمونيغل بقوله اهتزت التوقعات بحدوث تحول عالمي خطي مع تعايش الأهداف المناخية مع الأولويات المتعلقة بأمن الطاقة والوصول إلى الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف، وأضاف أنه بدلاً من ذلك هناك حاجة إلى نهج متعدد الأبعاد، وهو ما كانت تدعو له السعودية، يبدو أن العالم توصل إلى دعوات السعودية العاقلة والواقعية المطالبة بالتدرج في التحول إلى الطاقة النظيفة والمستدامة وانتهاج مزيج للطاقة لتحقيق هدفين أساسيين هما تحقيق أمن الطاقة والآخر القدرة على تحمل تكاليف هذا التحول.
خصوصاً وأن الدول المتقدمة تحملت تقديم 100 مليار دولار للدول الفقيرة سنويا غير المسؤولة عن هذا التلوث لكن يبدو أن الدول المتقدمة لم تلتزم حتى الآن بما تعهدت به، ما جعلها تتجه نحو الواقعية التي دعت لها السعودية، وتوصل المشاركون في المائدة المستديرة إلى أن حظر التمويل على مجالات إنتاج الطاقة يرفع تكلفة الطاقة ويعيق النمو الاقتصادي ويهدد بتقويض الدعم العام لعملية الانتقال عندما لا تكون مصادر الطاقة البديلة التنافسية متاحة، ما جعل الدول الغربية تعترف أن تحول الطاقة أكثر تعقيداً وأن السعودية التي كانت تؤكد هذه الواقعية توصل إليها المشاركون مؤخراً.
تهتم السعودية بإنتاج الهيدروجين لأنه يولد قدراً أكبر من الطاقة مقارنة بالبطاريات وهو أكثر ملاءمة للطائرات والسفن باعتبار أن إنتاج الهيدروجين لا يزال إنتاجه في السعودية الأرخص رغم أنه لا يزال بشكل خاص إنتاج الهيدروجين الأخضر مرتفع التكلفة وتتراوح تكلفته للكيلو غرام 2.5 - 6.8 دولار بخلاف تكلفة الهيدروجين الرمادي والأزرق الذي ينتج من الطاقة الأحفورية وليس من الطاقة الشمسية، فالهيدروجين الأزرق يتراوح بين 1.4 - 2.4 دولار لكل كيلو غرام وتكلفة الهيدروجين الرمادي 1-1.8 دولار، وضخت السعودية 8.5 مليار دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر في نيوم خصوصاً وأنها تمتلك مساحات ليس مثل اليابان أو هولندا وكذلك شمس ثلاثة أضعاف الشمس الساقطة في أوروبا ما يجعلها تحتل مركز الصدارة لإنتاج الهيدروجين بجانب الوقود الأحفوري.