مشعل الحارثي
كم هو ثقيل على النفس فقد الأقرباء والأصدقاء وأصحاب الأثر الكبير في المجتمع وانطفاء نورهم إلى الأبد ووداعهم إلى مستقرهم الأخير، فبتاريخ يوم الأربعاء 29 محرم 1445هـ رحل عن دنيانا بمدينة الطائف وانتقل إلى جوار ربه الأستاذ محمد بن خلف الزايدي -رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان - أحد رجال الطائف وأبنائها المخلصين بعد مسيرة حافلة بالعطاء كان له فيها بصماته التي لا تنسى في خدمة الطائف التي عاصرها في بداياتها التنموية الأولى من خلال مساهماته الفاعلة في مجالات عديدة منها النشر والثقافة والصحافة والأدب والتجارة والرياضة والأعمال الخيرية.
وفي مسيرة الأستاذ محمد خلف الزايدي -رحمه الله - العديد من الأولويات في تنمية وتطور مدينة الطائف فقد ساهم في تأسيس دار ثقيف للنشر والتأليف مع كل من الأستاذ الأديب عبدالعزيز الرفاعي وعبدالرحمن المعمر واستضاف هذه الدار بمطبعته لمدة ثلاث سنوات، كما ساهم في تأسيس النادي الأدبي الثقافي بالطائف، وتأسيس الغرفة التجارية الصناعية، وساهم في تأسيس أول صندوق للبر عام 1371هـ تحول فيما بعد إلى (جمعية خيرية بالطائف)، كما أسس مع محمود مارديني نادي برد الرياضي بالطائف، وقبلها مارس لعبة كرة القدم بنادي الكوكب الرياضي بالطائف، كما كان عضواً فاعلاً في لجنة الخدمة العامة بالطائف التي كان يرأسها أمير الطائف الأسبق عبدالعزيز بن معمر رحمه الله، وهو صاحب أول مشروع للتربية والتسمين الحيواني والزراعي في الطائف.
ومحمد خلف الزايدي رحمه الله ينتمي إلى أسرة الزايدي إحدى الأسر العريقة في بلاد بني سعد جنوب الطائف، وهو من مواليد عام 1351هـ، وتلقى تعليمه في مدينة الطائف، ثم حصل على دبلوم في الإدارة والتنظيم من معهد الإدارة العامة بالرياض، ثم التحق بعدد من الوظائف منها عمله بمحكمة الطائف الشرعية، ثم انتقل للعمل في وزارة الدفاع التي تدرج في عدد من وظائفها لينتقل بعد ذلك للعمل في وزارة العمل والشئون الاجتماعية وتحديداً في رعاية الشباب بوظيفة مساعد لأول مدير لها آنذاك الأستاذ عبدالله عبادي واستمر في العمل الحكومي حتى عام 1387هـ ليستقيل ويتفرغ لعمله في مطابع الزايدي للطباعة والنشر التي كانت تعد من أكثر المطابع استعداداً وتجهيزات وإمكانيات آلية وفنية وعمل بها نخبة مميزة من أصحاب الخبرات في أعمال المطابع من الدول العربية والأجنبية، وكتبت عن مستواها المتميز إحدى الصحف الألمانية.
وكان أول ما لفت انتباهي لهذا الاسم (الزايدي) وأنا في المرحلة الثانوية تلك اللوحة التي كانت تنتصب سواء على مكتبته التجارية بباب الريع أو مطبعته الشهيرة بشارع شهار التي أسسها عام 1387هـ وكانت تقع بالقرب من مدرسة ثانوية ثقيف التي كنت أدرس بها، وإلى جانب ما قامت به هذه المطبعة الكبيرة بإمكانياتها الضخمة وإنجازاتها في طباعة المقرارات الدراسية لوزارة المعارف لعام 1403- 1404هـ، وطباعة إصدارات النادي الأدبي بالطائف، ودار ثقيف للنشر والتأليف خلال العامين الأولين من تأسيسها فقد عرفتها وغيري من خلال أعمالها التجارية الأخرى وخاصة كروت الأفراح التي كان أصحاب الزواجات يتهافتون عليها لطباعتها بهذه المطبعة التي اكتسبت آنذاك شهرة وسمعة كبيرة بين الناس.
وزادت معرفتي بالأستاذ محمد الزايدي تتوثّق أكثر وأكثر خلال دراستي بالمرحلة الجامعية وعملي بالصحافة وخاصة مجلة الطائف ومشاركتي في اللجنة الإعلامية بالتنشيط السياحي بإمارة الطائف والتي كانت تقوم سنوياً بتكريم نخبة من أبنائها المميزين وممن خدموها في عدة مجالات وكان هو من المكرمين بها في المجموعة الخامسة لعام 1416هـ ومن خلال هذا الاحتفال تعرّفت على جوانب أخرى من شخصيته وعطائه فكنت أقوم بزيارته في داره من وقت لآخر واطلعت على مكتبته الخاصة العامرة بالمئات والمئات من المراجع والكتب والدوريات الصحفية النادرة وكنت لا أغادر من داره إلا بفائدة ثقافية أو معلومة تاريخية أو كتاب يهديه لي.
ومن وفاء الرجل لزوجته الأولى وشريكة حياته بعد رحيلها قيامه ببناء مسجد لها بحي شهار بالطائف أسماه مسجد (أم الخير) ونقل سكناه من حي اليمانية إلى جوار المسجد لكي يقوم بالإشراف عليه وخدمته والعناية به، بل كان الرجل وكما علمت منه شخصياً يقوم بدفع مرتب الإمام والمؤذن على نفقته الخاصة طمعاً في الأجر والثواب.
أما علاقة الأستاذ محمد خلف الزايدي بالصحافة فهي علاقة ممتدة فقد بدأ الصحافة بجريدة الجزيرة محرراً لصفحة الرياضة ثم معداً للصفحة وكانت صفحته تلك أول صفحة رياضية في الصحافة السعودية تدخل فن الكاريكاتير، وكان يقوم بهذه المهمة أخوه شاكرالزايدي الأستاذ السابق بجامعة أم القرى، ثم عمل مراسلاً لجريدة البلاد بالطائف، وكان من أحلامه المعلقة أن يصدر صحيفة خاصة به على غرار مجلة الرياض التي كان يصدرها آنذاك أحمد عبيد وتطبع في مطابع الاصفهاني بجدة، وسعى بكل الوسائل لتحقيق ذلك إلا أن حلمه بقي معلقاً حتى رحيله، وله أيضاً ذكرياته مع الراحل وعميد الصحافة السعودية الأستاذ تركي السديري - رحمه الله- ومع نادي النصر ورئيسه الأسبق الأمير عبدالرحمن بن سعود - رحمه الله.
كما أسهم الأستاذ محمد خلف الزايدي ومن منطلق عشقه وحبه للأدب والثقافة بإصدار وتأليف العديد من الكتب ومنها أول كتاب رياضي يحمل اسم (فن كرة القدم) ويعتبر الكتاب الثاني في المكتبة الرياضية السعودية، وكتاب المرجع في تاريخ الطائف الذي قام بطبعه عدة طبعات وتناول خمسة كتب من كتب الطائف المخطوطة والمرجعية، كما قام ومن خلال مطبعته بطبع سلسلة المكتبة الإسلامية وعدد من الكتب التراثية والعلمية، وقد جاء ذكر الأستاذ محمد الزايدي وجوانب من سيرته في العديد من الكتب والمعاجم ومنها كتاب تاريخ الطائف قديماً وحديثاً لمؤلفه الأستاذ مناحي القثامي، وكتاب الموسوعة الرياضية لمؤلفها الأستاذ عبدالله جارالله المالكي، وكتاب تاريخ الحركة الرياضية للدكتور أمين ساعاتي، وكتاب الاحتفال بمرور عشرين عاماً على تأسيس الغرفة التجارية بالطائف، وموسوعة أدباء الطائف المعاصرين للأديب علي خضران القرني، وكتاب تاريخ الكتب والمكتبات والمطابع بالطائف لكاتب هذه السطور الصادر عن النادي الأدبي بالطائف عام 14131هـ، وكتاب الرياضة في عهد الملك عبدالعزيز لمؤلفه الأستاذ محمد القدادي، كتاب الطائف في مائة عام الصادر عن لجنة التنشيط السياحي بالطائف عام 1416هـ، كتاب رموز مضيئة عن لجنة التنشيط السياحي بالطائف عام 1417هـ وله العديد من الحوارات في الصحف والمجلات.
تغمد الله الراحل محمد خلف الزايدي برحمته وأسبغ عليه شآبيب مغفرته وألهم أسرته وذويه الصبر والسلوان و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).