اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والإرجاف بالمسلمين من قبل الغرب يتخذ أشكالاً متنوعة، فهناك الإرجاف الديني والسياسي والإعلامي والاجتماعي والعسكري، ولكل من هذه الأشكال وسائله وأساليبه التي تمكنت القوى الغربية من الترويج لها والتفنن في استخدامها حتى جعلت من الصراع مع المسلمين مطلباً حضارياً وطريقاً للتطور لا تستقيم الحضارة الغربية بدونهما.
وعلى الصعيد الديني فإن العلمانية بينها وبين الإسلام من الاختلاف والتعارض ما يجعل من اتباع سياسة أنصاف الحلول مدعاة لاستمرار الصراع والانحدار في متاهات الضياع، حيث يجد المرجف له مكانًا بسبب التعدي على الأديان وفقدان العنوان.
وفصل الدين عن الدولة وعدم العمل به كنظام حكم فتح الباب على مصراعيه للمرجفين من دعاة العلمانية للتعدي على الإسلام والإرجاف به والانسياق مع الفكر الغربي الوافد الذي ينادي بالفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية واعتبار الدين عقيدة ذات طابع فردي وليست عقيدة جامعة يحتكم إليها الجميع والله تعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (الأنعام 57).
والإسلام يصف السياسة بأنها فقه الواقع وينظر إليها من منظور شرعي، واضعاً إياها في إطارها الصحيح الذي يؤطرها بالحقيقة والقيام على الشيء بما يصلحه، ويعتبر الصدق والاستقامة من متطلباتها، في حين ينظر إليها الغرب بأنها فن الخداع والمكر والغاية منها تبرر الوسيلة، مستبدلين أحكام الشرع الإلهي بإحكام باطلة من بنات أفكار البشر.
ومن الإرجاف السياسي محاولة الغرب إرغام الناس على قبول المفهوم الغربي للسياسة، ومن ذلك الإصرار على فرض الديمقراطية على حساب شرائع الإسلام وأحكامه، متخذين من حكم الشعب للشعب حجة مطلقة على صحة النظام الديمقراطي دون مراعاة ما يترتب على ذلك من ممارسات خاطئة مع مطالبة المسلمين بتعطيل مبدأ الشورى في الإسلام وتجاهل ما ينص عليه من نصوص وأحكام شرعية ذات مرجعية دينية.
ومن حالات الإرجاف السياسي دفاع الغرب المستميت عن أنظمتهم الوضعية ودعوة الآخرين إلى احترامها وتطبيقها وفي الوقت نفسه يطعنون في الإسلام بحجة حرية التعبير عن الرأي، وواقع الحال ولسان المقال أن الذي يجوز لهم لا يجوز لغيرهم.
وفي هذا الزمن الذي لم يكتف فيه الإعلام بنقل الخبر، بل يصنعه، وفي ظل التقنية الإعلامية والفضاء الرقمي استطاع الغرب أن يوظف هذا التطور في مجال الإعلام بما يخدم سياساته التي تخدم مصالحه مهما كانت الوسائل المتبعة على حساب الآخرين.
وهذا يعني أن الإعلام المعاصر تجاوز نقل المعرفة والخبر إلى كونه وسيلة فاعلة لصناعة الرأي العام نظراً لتطور وسائل الإعلام وثورة تقنية المعلومات وما ترتب عليها من التأثير في عقل وفكر وسلوك المتلقي وخلق بيئة قابلة للإرجاف والتأثر بما يقوله المرجفون.
والإرجاف الإعلامي الذي يمارسه الغرب ضد الإسلام يظهر بجلاء فيما تعرضه وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام من الافتراء والتجني وتشويه الصورة، وذلك من خلال تنميط صورة الإسلام وتغذية عوامل العداء والحقد عند الغرب تجاه الإسلام، واصفة المسلمين بالإرهاب والعنف والتخلف والوحشية.
وهذه الوسائل بما يتوفر لها من إمكانات وقدرات تحاول توجيه الخطاب الإعلامي إلى المشاهد والمتلقي فيتأثر بها ويتكون لديه انطباع خاطئ وتصور كاذب عن الإسلام حتى أن البعض لا ينظر إلى الإسلام بوصفه ديناً إلهياً ومنهجاً شرعياً وإنما ينظر إليه بأنه فكر وأيديولوجية سياسية تتعارض مع القيم والآداب الغربية.
ومن صور الإرجاف الغربي ركوب موجة الإرجاف الداخلي وتطويرها والتكيف معها حيث وجد الغرب الفرصة سانحة لامتطاء المرجفين في الداخل من المنافقين والذين في قلوبهم مرض والعملاء والجواسيس والسذج والمغرر بهم، وذلك لتحريضهم والاستفادة منهم على المدى القريب والبعيد.
وجميع وسائل الإرجاف تلتقي عند التخذيل والتثبيط والتعويق والتخويف وتدعو إليها، وهي دعوة تنطوي على مثالب ومقالب يعتمد أصحابها على الكذب وإشاعة الشائعات، ومهما تنوعت وسائل الإرجاف المتبعة وأهدافه المتقاطعة فإن هزيمة الخصم نفسياً ومعنوياً هي السبيل إلى استعماره فكرياً وهزيمته عسكرياً، وهذا هو الذي يريده الغرب.
وبعض ممارسات التنميط التي يمارسها الغرب ضد المسلمين ينطبق عليها مفهوم الإرجاف لما يغلب على أصحابها من اتباع سياسة سوء الإدراك المتعمد والجنوح إلى ممارسات غير عقلانية وتصورات مغلوطة، وما أفضت إليه من قوالب نمطية خاطئة واتهامات ظالمة وأحكام متحيزة.
والإرجاف بالإسلام والتخويف منه فيما يعرف بمصطلح الخوف المرضي المفتعل (الإسلاموفوبيا) ما هو إلا صورة نمطية معممة تعتمد على أفكار ومعتقدات خاطئة نجم عنها أحكام جامدة ومتحيزة على نحو لابد أن يقود إلى صراعات غير مبررة تغذيها المبالغات الكاذبة والمؤامرات المتكالبة ضد الإسلام.
ومن الممكن القول إن ظاهرة التنميط ضد المسلمين وما يعرف بالخوف المرضي لم تعد مقصورة على الأحزاب اليمينية في الغرب وإنما أصبحت من العلامات البارزة في خطابات القادة والرؤساء سواءً ذلك عن قناعة أو مراعاة لتوجهات الرأي العام، وفي كلتا الحالتين ما يؤكد أن العداوة تنطلق من منطلقات دينية وقيمية وذات أبعاد تاريخية ومرجعيات أساسية وجهل الغرب بالإسلام، وظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف ساعد على تنميطها.
والإنسان عندما يكون ضحية بسبب جريمة لم يرتكبها ويُصدر عليه حكم ظالم لا يتفق واقع مدلوله التوريطي مع دافع مفعوله التنميطي، فإن ذلك يعتبر حالة مجرمة وظاهرة نمطية معممة ذات حيثيات باطلة يستخدمها الغرب بصورة انتقائية للإيقاع بضحاياهم بحجة الدفاع عن الهوية الغربية في الداخل وتكريس التبعية بالنسبة للخارج دون أن يأبه هؤلاء بما في ذلك من التحيز والتمييز والتنميط.