د. محمد بن صقر
لن أبحر في جدليات معرفية لا تفيد القارئ كثيرًا عن مفهوم الوعي، ولن أخوض في مستوى أدراكنا لوعينا بأنفسنا، فهذه المسائل من وجهة نظري تحتاج لبحث وتمحيص وعمق في الطرح، وقد يكون مكان ذلك المناسب هو مختبرات الفكر والثقافة وأروقة الجامعات والمؤتمرات والندوات العلمية. ولكن ما أريد أن أطرحه هو الوعي الذي نحتاج إليه فيما يدور حول المملكة من هجوم إعلامي وألسنة موجهة يقودها إعلام مؤجر هدفها تتبع خطوات المملكة وخطاباتها ومنهجها وطموحاتها وسياستها لتنتقدها وتشوه مقاصدها لأسباب سياسية وإعلامية وأيدولوجية وفكرية, فتارة تكون هذه الهجمات من وسائل إعلامية غربية وتارة من أبواق عربية فتجدها تنضر وتأطر لمفاهيم التطور والتحضر والتقدم، باعتقادها أنها الأفضل في كل شيء، وهذا الأمر محض خيال وسراب هم مؤمنون به، فعلى قدر الألم الذي يصيبهم يكون صراخهم في وسائل الإعلام، ويمكن وصف هذه الحالة التي يمرون بها كما ذكرها الكاتب والمفكر العراقي علي الوردي «كلما ازداد الإنسان غباوة ازداد يقينًا بأنه أفضل من غيره في كل شيء»، إن الوعي الذي نحتاج إليه في هذه المرحلة يبدأ من أن نعي أن نجاحاتنا كما لها محبون ومشجعون ومتضامنون ومشاركون فيها، فإن لها أيضاً أعداء ومتربصون وحاسدون وحاقدون فهم يعتقدون أن النجاح لابد أن يمر عبر عقولهم وبقراراتهم وتأييدهم ومشاركتهم وإلا لن يكون هناك نجاح! ولا أدل من ذلك على الحراك الرياضي الذي نمر فيه والاستثمارات والمكاسب المتتالية التي نحصدها، كذلك الحراك الثقافي والدبلوماسي والسياسي وتحويل بوصلة صنع السلام من الغرب والشرق إلى المملكة عاصمة صنع السلام العالمي، أيضًا لابد أن نعي أن أي حراك وتطوير واستثمار لن يكون طريق سفر يسير أو قصير أو دون مخاطر وتحديات، فلم تنجح الدول العظيمة التي صنعت لها تاريخ دون أن تمر بمراحل كانت عصيبة وأليمة، ومن ضمن تلك التحديات الهجوم والتشكيك والتقليل والتقزيم، فالأحلام والطموحات الكبيرة عندما بدأت لم يكن أحد يؤيدها وإنما كانت تحارب وإلا لما سميت أحلاماً. أيضًا لابد أن نعي أن من يحاربك اليوم سيكون مؤيدًا لنجاحتك في المستقبل، فالجميع يريد أن يكون مشاركاً معك في ثمرات نجاحاتك حتى ولو باعتذار عن أخطائه في الماضي. أخير لا بد أن نعي أن التغيير الذي نعمل عليه صنع بأبناء الوطن فهم الذين يقودونه ويخططون إستراتيجياته بناءً على مصالحنا ومصالح مجتمعنا فلسنا تابعينلأحد. إن الوعي الأعم والأشمل هو إدراكنا أننا تحت ظل دولة همها مصلحة المواطن والوطن لها رؤية طموحة لشعب طموح فلن تلتف إلى ما ينتقد أو يحارب ولم يقدم شيئًا للوطن سوى الصراخ. أن إدراكنا لقضايانا المختلفة التي قد يواجها المجتمع كل يوم من الهجمات التي حولنا سيسهم بشكل كبير في إخفاء تلك الأصوات الضعيفة، فالوعي يعتبر أحد الركائز الأساسية للتطور الاجتماعي والتقدم والنهضة، وقد يؤدي انعدام هذا الوعي الجمعي إلى اهتزاز ثقته بنفسة ويصبح متأثرًا مهزوماً دون رؤية أو طموح.