أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنت أنا وعائلتي في مطار إحدى الدول الإسلامية، وبعد أن أنهينا إجراءات السفر وتجاوزنا بحقائبنا اليديوية التي نحملها معنا داخل الطائرة الجوازات والتفتيش النهائي، كان وقت صلاة العشاء قد دخل، وفوراً بدأنا نسأل عن المصلى، وبالكاد وصلنا له، وكان الاقتراح أن أذهب فأصلي جماعة مع من هم سبقونا إلى المصلى ويقف ابني عند حقائبنا التي معنا، وبالفعل أديت صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً مع إمام خفّف ويسّر، ثم خرجت ليذهب ولدي فيصلي مع جماعة جديدة وأقف أنا حارساً بعده، وطال المقام بنا ونحن ننتظر أنا وعائلتي الابن الذي ذهب للصلاة، الأمر الذي اضطرني للذهاب إلى المصلى لأنظر ما الأمر، وإذ بي ألحظ من بعيد شاباً يتقدم الصفوف يرتدي ثوباً وشماغاً (الزي السعودي) وخلفه جموع من المصلين من جنسيات مختلفة ليس منهم واحد يماثله بالملبس مع أن هناك ثلاث رحلات في ذلك المساء جميعها متجهة لمطارات وطننا العزيز المملكة العربية السعودية - الرياض، جدة، المدينة المنورة، فضلاً عن دول الخليج -، الشاهد أن هذا الإمام الذي تقدم من نفسه ليصلي بالناس الذي هم جميعاً على جناح سفر أطال الصلاة وأخذ يرتل الآيات ويقرأ بالطوال، الأمر الذي دعاني إلى أن أرفع صوتي له قائلاً (استعجل الناس وراهم رحلات)، أكررها عليه بصوت مرتفع لعله يدرك خطأ ما يصنع ويقدر حال من خلفه. وبالفعل أنهى صلاته مضطراً وخرج من خلفه مسرعين، تلمح في قسمات وجوههم العتب ومن سرعتهم في الخروج الانشغال خاصة وأن غالبية بوابات الرحلات الخارجية بعيدة عن المصلى الذي اختير له موقعٌ منزوٍ بعيداً عن الأنظار للأسف الشديد.
هذا الصنيع الذي قام به من أمّ الناس في ذلك المساء يخالف هدي الإسلام، ولا يتوافق مع فقه الإمامة، ويتناقض مع إرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم بوجوب مراعاة من يصلي بالناس أحوال من خلفه، كما أنه يعطي انطباعاً سلبياً عن شخصية الإنسان السعودي الذي يتهم أصلاً بجنوحه للتنطع وعدم الاكتراث بالغير، وقد تحدث فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان عن هذه المسألة في فتوى شاعت هذه الأيام وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلها الناس وكأن الأمر تكرر في أكثر من مطار، حيث خَطَّأّ حفظه الله هذا الفعل وعاب على من يؤمّ الناس ويطيل وخلفه المسافر والمريض وذو الحاجة، وفي ذات الوقت أفتى بأن للمأموم أن ينصرف عن إمامه ويكمل لنفسه ويسلم ثم ينصرف من مصلاه حتى وإن كان الإمام ما زال في صلاته، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.