د. محمد بن يحيى الفال
في الآونة الأخيرة وبعد أكثر من سبع سنوات عجاف تم إفراغ خزان صافر من عبوته من النفط الخام البالغ مليوناً وأربعمائة ألف برميل. الخزان العائم التابع لمحطة رأس عيسى بالقرب من ميناء الحديدة اليمني وتعود ملكيته للمؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز شكل ولكل هذه السنوات تهديداً في غاية الخطورة لبيئة البحر الأحمر ومستقبل الاقتصاد المرتبط به لكافة الدول المطلة عليه في حالة تسرب النفط من الخزان المتهالك إلى مياه البحر الأحمر. الخزان تم تصنعيه قبل حوالي 50 سنة خلت في اليابان كناقلة للنفط الخام ومن ثم عادت ملكيته للمؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز والتي استخدمته كخزان لحفظ النفط الخام لتوزيعه على المحافظات اليمنية حسب الحصة المقررة لكل محافظة ومن نشوب الحرب لم تتمكن فرق الصيانة التابعة للمؤسسة اليمنية المالكة للخزان من تقديم خدمات الصيانة الضرورية للخزان وهو الأمر الذي نتج عنه ومع مرور الوقت خلل كبير وتصدع في بنية الخزان تنذر إما بانفجاره أو بتسرب حمولته من النفط إلى مياه البحر الأحمر وهو أمر لو قيض له أن يحدث لنتجت عنه كارثة بيئية في غاية الخطورة حدد خبراء الأمم المتحدة الذين تولوا مهمة ملف الخزان بأنها ستكون كارثية بكل ما تعنيه الكلمة ومن ذلك تأثر الثروة السمكية لما لا يقل عن خمسة وعشرين عاماً وتكلفة أولية لتنظيف بيئة البحر الأحمر فاتورتها لن تقل عن 20 مليار دولار أمريكي.
تولي الأمم المتحدة مهمة ملف تسوية خزان صافر كان لأسباب عدة أهمها ظروف الحرب وكون البحر الأحمر يشكل أهمية قصوى للتجارة العالمية وأحد أهم شرايين الملاحة الدولية لنقل الطاقة المتمثلة في النفط وكافة المنتجات البيتروكيميائية المرتبطة به والتي تشكل أحد أهم عوامل نمو الاقتصاد العالمي. قدر خبراء الأمم المتحدة تكلفة تفريغ الخزان المتهالك لناقلة نفط أخرى بحوالي مائة وخمسة وعشرين مليون دولار قدمت المملكة منها مبلغ ثمانية وعشرين مليون دولار والمهم هنا بأنه لم يكن لعملية تفريغ الخزان صافر أن تتم بنجاح لولا جهود المملكة والمتمثلة بقيادتها الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وذلك بتقديم كافة التسهيلات اللازمة والضرورية لإتمام إنقاذ البحر الأحمر والدول المطلة عليه من كارثة بيئية كبرى تلوح في الأفق. شملت جهود المملكة لإنجاح المهمة تسهيلات سياسية وعسكرية ولوجستية لطواقم الأمم المتحدة التي أنيط بها عملية تفريغ الخزان وكذلك نسقت المملكة مع المجتمع الدولي لتعاون أممي فاعل لإنقاذ البحر الأحمر الشريان الهام لاقتصاد العالم من كارثة تسريب النفط ويعود لها بعد فضل الله نجاح التعاون الأممي الذي جاءت نتيجته فاعله أنهت أكبر تهديد بيئي واجهه البحر الأحمر في تاريخه.
ولمعرفة حجم الكارثة التي كانت تلوح في أفق مستقبل بيئة البحر الأحمر بسبب خزان صافر فقد حدثت كارثتان نتجتا عن ترسب نفطي وحدثتا في الولايات المتحدة الأمريكية إحدى أهم دول العالم اهتماماً بأمن وسلامة البيئة. الكارثة الأولى كانت تسرب النفط في خليج الأمير وليام بولاية آلاسكا الأمريكية عندما ارتطمت نقالة النفط إكسون فالديز بالشعب المرجانية عند دخولها الخليج وذلك في الرابع والعشرين من شهر مارس عام 1989 وتسرب من النقالة الجانحة من مُجمل حمولتها البالغة 50 مليون جالون ما يقارب 11 مليون جالون من النفط إلى مياه خليج الأمير وليام بآلاسكا وهو ما يعادل تقريباً ربع الكمية المخزنة في خزان صافر اليمني. نتائج تسرب النفط من النقالة أكسون فالديز كانت كارثية نالت كماً هائلاً من التغطيات الإعلامية على مستوى الرأي العام الأمريكي والعالمي وهددت نتائجها بشكل خطير وغير مسبوق الحياة الفطرية على مستوى ولاية آلاسكا وكافة المناطق البيئية من حولها بما في ذلك تدمير بالغ للشعب المرجانية والثروة السمكية وقدرت الفاتورة التي دفعتها الشركة المالكة للنقالة قرابة 4 مليارات دولار إضافة لتعويض أكثر من 11 ألف صياد عن الخسائر التي تعرضوا لها بسبب الكارثة. كارثة التسرب الثانية حدثت أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر إبريل 2010 عندما انفجرت منصة ديب ووترز هورايزن النفطية قبالة سواحل ولاية لويزيانا الأمريكية ويعد هذا التسرب النفطي الأضخم في تاريخ الإنسانية وذلك لأكثر من 2 مليون برميل من النفط تسربت بعد انفجار المنصة لخليج المكسيك وكلفت الخسائر الناتجة عن الكارثة شركة بي بي بتروليوم المالكة للمنصة أكثر من 21 مليار دولار من التعويضات وكذلك منع الشركة البترولية العملاقة من الحصول على تعاقدات مستقبلية من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
الجدير ذكره هنا وبسبب تجارب الولايات المتحدة الأمريكية مع كوراث التسريبات النفطية فقد دعمت بشفافية جهود المملكة والأمم المتحدة في إنقاذ البحر الأحمر من الكارثة التي كانت في انتظاره وذلك من خلال إثارة موضوع الخزان صافر مع الجهات ذات العلاقة وتوضيح خطورة الوضع وأهمية وحتمية التعاون من أجل إنهائه والتي كانت من مسؤوليات مبعوثي الحكومة الأمريكية لليمن.
بعيداً عن الصرعات أثبت حل معضلة خزان صافر بأن التعاون وتغليب الحكمة والمصلحة العامة هو الطريق الأمثل لحل كافة القضايا وكذلك أثبتت المملكة كما هو ديدنها دوماً بأن مصالحها مرتبطة بأشقائها وشعوبهم وتضع ذلك على رأس أولوياتها ونرى ذلك جلياً في جهودها التي لم تعرف الكلل ولا الممل في إنهاء خطر خزان صافر الذي كان يهدد بيئية البحر الأحمر وسواحل الدول الواقعة عليه بشعبها المرجانية وكائنتها البحرية ومستقبل صناعة صيد الأسماك لدى هذه الدول والتي يعيش ويقتات عليها الآلاف من الصيادين وأسرهم وكانت اليمن نفسها أكبر الدول تضرراً من تسرب نفط الخزان في حالة حدوثه إضافة للدول العربية الشقيقة المطلة على البحر الأحمر: مصر، السودان، الأردن وجيبوتي.