منصور بن صالح العُمري
حين تسقط من لحيتي شعرة سوداء أحملها برفق في يدي أتأملها بعيني وأهمس لها من قلبي لا أدري هل أواسيها لغربتها قبل أن تفارقني أم أواسي نفسي عند رحيلها، تحدثني عن سنوات مضت اجتاح صويحباتها مدٌّ أبيض أحال سكون ليلهم إلى ضجيج يصحبه أنين، وكلما ازداد المد أثقل كاهلي بفقد جديد ووهن لم أكن أعانيه من قبل، بعثر تكاثره ترتيب يومي ومحا معظم ما دوِّن في جدوله وأحالني إلى حصص فراغ طويل وأسقط اسمي من مشاركات كثيرة لم تعد تليق بمثلي أو لم أعد مناسباً لمن يخوضها. كانت وهي سوداء حالكة تحدثني عن مستقبل دنياي فلما أصابها النقاء صارت تحفزني لمستقبل أخراي، تنهرني أحياناً ويحك ألا تفيق لما أمامك؟ ألا يخيفك ما خلفت من تقصير؟! متى تستيقظ من غفلتك قبل أن يصيب جسدك ما أصاب هذه الشعرة فيحملك أحبابك ليودعوك كما تودعني الآن. ألا ترى أن بياضي جاء معه أحفادك الذين امتلأت بقدومهم حياتك بهجة وسلمتهم شعلة نسبك يحملونها عنك؟ ألا ترى أنه صدّرك في مجالس أهلك وأسبغ عليك المهابة؟ ألا ترى أنه منحك الوقت الأوفى لعباداتك تؤديها بسكينة ووقار وتزيّنها بأدمع تجتث ذنوباً مضت وتبذر حسنات تضيء وجهك وصحيفتك؟ ألا ترى أنها جاءت من أقصى مدينة شعرك لتقول لك إن أيامك تأتمر بك فاستعد لما أمامك ودع ما حواليك من متاع لا تستطيع حمله ولا يستساغ لمثلك طعمه، وانظر لبقية دربك حتى تسلك أفضل سبيل يؤدي بك إلى الكوثر فثمة شربة لن تظمأ بعدها أبداً من يد حبيبك وحبيب رب العالمين، عليه أفضل الصلاة والتسليم وهنا قبَّلتها مودعاً لها وشاكراً لها نصحها فقد أحالت تجهمي لابتسامة رضا وقبول فماذا حدثتكم شعراتكم؟