د. إبراهيم بن جلال فضلون
أوراق الشجرة الفرنسية تتساقط تباعًا في القارة السوداء، لسياسات فرنسية أنتجت حالة من عدم الاستقرار السياسي لها خارجياً وزيادة رقعة الانقلابات والصراعات المُسلحة، معلنًا انتهاء عصر «فرنسا الإفريقية»، حيث لم يعد لها وجود في مربعها الخلفي (غرب إفريقيا) في خلع معلن من القارة لتتناقص مساحة نفوذها التي كانت «ترتع فيها»، لتتحرك الرمال وما فوقها تحت أقدام فرنسا التائهة، في مالي وبوركينافاسو المجاورتين، فالنيجر بلد هي سابع أكبر منتج لليورانيوم بالعالم، ثُم عملاق النفط الإفريقي وعضو «أوبك» «الغابون»، لتُقاتل فرنسا عن آخر أطباقها على مائدتها الساحلية، كونها «تقتات» بثلُث احتياجاتها من يورانيوم النيجر المُستخدم في مفاعلاتها النووية، ونفط الغابون.. لقد خسرت فرنسا قوتها وانتهى وجودها في خلع بائن، بعد وجود إمبراطوريتها الواسعة في إفريقيا منذ منتصف ق 16 وسيطرتها على نصف القارة تقريبًا عقب مؤتمر برلين عام 1885 الذي قسم القارة السمراء إلى محميات وصلت مساحة مستعمراتها 3 ملايين م2، ومع منتصف القرن العشرين باتت فرنسا تملك 100 قاعدة عسكرية في إفريقيا.
لكن بات الآن واقعاً في سلسلة المريض الأوربي ووجوده العالمي، في ظل المؤشرات الراهنة التي تُشكل انتكاسة للحضارة الغربية، لا سيما وتحول الكعكة السمراء لأحضان روسيا وأذرعها العسكرية الخارجية القوية من مرتزقة فاغنر التي قُتل قائدها مُؤخراً وإرهابي العالم وفي أحضان ديون الصين، التي سترتفع استثماراتها إلى 500 مليار دولار تقريباً في 2025، خلافاً عن المساعدات غير المشروطة التي تدعم بها الصناديق المحلية في إفريقيا.
تلك الوسيلة الاستعمارية الجديدة وطُرق تقليم أظافر الإرهابيين الذي عززوا مواقعهم خلال الأعوام الماضية في إفريقيا ذات الوهن الكبير، في وضع دولي يزداد «صعوبة وتعقيداً» وهو ما أثبت فشل ونهاية السياسة الفرنسية والرئيس ماكرون الذي لم ولن يستوعب الدروس من الحركات الداخلية في فرنسا ولا خارجها، وكان عليه أن يسعى إلى فهم ما يحدث من طريق العقل المدبر في النخبة الإفريقية لدى مختلف هذه البلدان، لكنه خرج «متأتأً» في خطابه السنوي إلى التحديات التي تواجه بلاده في المحلي والدولي من أبرزها الانقلاب في النيجر وحرب أوكرانيا، قائلاً: «إنها ليست مسألة انسحاب أو فك ارتباط بل هي عملية تكييف» عبر إعادة تحديد «حاجات» الدول الشريكة وتقديم «مزيد من التعاون والتدريب». يا سيدي الرئيس، أعقل الكلام ما يحدث خلع سيصل لطلاق وليس فك ارتباط، فعلى رغم السوابق التاريخية مثل مقتل السفير الفرنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1993 في مواجهات مسلحة بين متمردين وموالين أمام السفارة، إلا أنك يا سيدي تتحدى غاضبي الانقلاب في كل مكان، وتقول إن «السفير سيبقى هناك على رغم الضغوط»، فماذا لو قُتل؟ سوف لا تفعل شيئًا ولا تتحرك ساكناً، فقد رفض بلد المليون شهيد بالجزائر مرور طائراتك لضرب النيجر، وقواعدك العسكرية في العالم منهكة لا حول ولا قوة، في ظل الصعوبات التي تواجهها كذلك «إيكواس» للتدخل عسكرياً وهي قليلة الحيلة.
لقد أفاق الجيل الإفريقي في غرب إفريقيا، من ضريبة الاستعمار الفرنسي عبر اتفاقيات تربط اقتصاديات هذه الدول بالاقتصاد الفرنسي، وصلت إلى 85 % من احتياطاتها النقدية الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي، ورغم أن المال مالها إلا أنها لا تأخذ منها إلا 15 % منها إذا ما احتاجت إلى ذلك بالأسعار التجارية، حيثُ تضخ إفريقيا ما يعادل من 500 مليار دولار سنويًا، كل ذلك وقد تحمل الأفارقة الرعونة الفرنسية واستعمار الغرب الذي أكلت غاباته حدائقه، وقد آن الأوان أن يمتك الأفارقة مقدرات بلادهم دون تدخل من الخارج، وليأتي الغرب واقفاً على أبوابه مستعطفاً كما كانوا سابقًا.. ولتعش منطقة الساحل والغرب الإفريقي دورتها الجديدة، ويكفيهم أزمة الحكم والتعايش الهش بين القصور والثكنات، وأزمة التنافس على المنطقة بين قوى دولية متعددة، وأزمة الجوع والانهيار في كل شيء حتى حقهم في الحياة بكرامة.