إن من أبرز ما يميز الدراما قدرتها على تصوير وقائع تدعو المتلقي، وتجذبه للانغماس في أحداثها -وإن كانت بعيدة عن واقعه- فهي تتيح له رؤية تفاصيل ربما لم تخطر على باله، أو لا يستطيع تخيلها إلا بمشاهدتها في ذلك الإطار، سواء كان اجتماعياً، أو سياسياً، أو تاريخياً، أو قانونياً.
وهنا يكون الربط بين الدراما وتنمية الملكة القانونية؛ لقدرتها على إظهار عدد من التفاصيل للكثير من القضايا المُشاهدة في الأفلام والمسلسلات.
وعليه، فإن الدراما القانونية لا تقل أهمية عن السابقة القضائية(الأحكام المنشورة)، بل إنها قد تكون مستمدة منها، متجسدة فيها، بكل أحداثها وتفاصيلها؛ فهي تسعى إلى إعطاء صورة شاملة للوقائع والقضايا بجميع تصنيفاتها المتعددة من قضية جزائية أو مدنية أو تجارية أو عمالية، إلى آخره.
وهذا النوع من الأعمال الدرامية يعتمد بشكل أو بآخر على المتلقي نفسه؛ فهناك المتلقي العادي الذي يود مشاهدة قصة لأجل الاستمتاع بها فحسب، وهناك المتلقي المتخصص الذي يدرك بنظرة أعمق الأحداث والوقائع القانونية وكيفية طرحها للقضايا وآلية مداولتها في المحاكم بالإضافة إلى استعراض مراحل القضية.
والقصة بوصفها دراماً قانونية من خلال السرد، فإنها تبتدئ بالحدث في ظرف مشابهٍ ليوم طبيعي ومن ثم تحويلها إلى قضية بتكييف الحدث وتصنيفه واستدعاء من سيتولى هذه القضية بكل إجراءاتها وبياناتها. وأهم المراحل فيها مرحلتا الإثبات والمرافعة اللتان تعتمدان عليهما كثيراً الدراما القانونية بشكل خاص؛ فهي تتميز بإبراز المشاهد داخل قاعات المحكمة تحديدًا، وتشتمل على الكثير من المهارات التي تعزز الملكة القانونية، بل إنها تستفز كل الركام القانوني عند المتخصص من تكييف للواقع، وكيفية جمع الأدلة، وتحديد مدى قوتها، وكيفية تسبيب المسائل، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت السليم، أيضاً القدرة على البحث في الأنظمة، وربطها باتساق مع أحداث القضية، ومن ثم تماشيها مع الحكم على القضية، فهي صورة شاملة للمتلقي المستعد، والواعي القادر على تطبيق كل ما دُرس نظرياً على الأحداث .
وتقوم هذه الأعمال في أصلها على ضبط أحداثها من خلال مستشارين قانونيين؛ لتتفق الأحداث مع النظام القانوني المتبع لهذا العمل في ذلك البلد، فقد تكون الحبكة الدرامية بعيدة عن النظام القانوني المتبع في تلك البلاد، ولكنها استُخدمت لاستجلاب عنصر الإثارة، وإضافة نوع من التشويق في القصة.
وهنا يأتي دور المتلقي المتخصص بالبحث والقراءة واكتشاف مواضع الخطأ، وبمجرد اكتشافها يصبح المتلقي قادراً على تكييف واقعة قانونية. ولأجل هذا أقول: إن الدراما القانونية فرصة جيدة لتقوية الجانب الدرامي في العقل القانوني للمتلقي.
وفي السياق ذاته هناك الكثير من الأعمال العربية والأجنبية، التي تناولت سوابق قضائية، وحولتها إلى دراما من خلال كتابتها وتنفيذها في إطار درامي يكرس كل التفاصيل المتعلقة بالقصة، ومنها: مسلسل (تحت الوصاية) الذي سلط الضوء على (قانون الوصاية في مصر) ومعاناة النساء الأرامل وحرمانهن من الولاية التعليمية والمالية لأطفالهن بعد وفاة الزوج، والمسلسل الأمريكي (suits)، ومن الأعمال الأخيرة المثيرة للاهتمام السيدة تشاترجي ضد النرويج (Mrs CHATTERJEE vs NORWAY) وهو فيلم مستوحى من قصة حقيقية.
ومما سبق يتبين مقدار العلاقة التبادلية بين حقلي الدراما والقانون، وفي ظني أن هذه العلاقة بمقدار ما بينهما من تواصل يكون الأثر فيهما على قدر عالٍ من الظهور يمكن ملاحظته.
** **
- تهاني الشهري