د.عبدالله الغذامي
من جميل المصادفات حين انتقلت من جدة إلى الرياض عام 1988 أن عاد من البعثة الدكتور صالح معيض الغامدي لينضم لقسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود وتزيد المصادفة بأن يكون مكتبي ومكتبه متجاورين، وتعرفت عليه وكان لما يزل غضاً وجديدًا إذ للتو عاد من بعثته في جامعة إنديانا/ بلومنجتون، وقد كنت قد زرت الجامعة تلك عام 1984 قادما إليها من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث كنت أكتب كتابي الخطيئة والتكفير وقسمت مدة إقامتي في أمريكا بين كاليفورنيا وإندايانا، وتقاسمت صفحات كتابي تواريخ مواليدها بين الولايتين الأمريكيتين على مدى أربعة عشر شهراً كانت مشحونة بقلق الكتابة وحرقة الأسئلة، ومناسبة قولي هذا هو أني ألقيت بضع محاضرات في بلومنجتون، واحدة منها كانت على طلاب القسم العربي هناك، ومن بين الحضوركان صالح معيض الغامدي، وقد كان حينها بصدد إعداد بحثه للدكتوراه، وظلت هذه الصورة مترسخة في ذهني عنه حتى التقيته بعدها بأربع سنوات ولكن اللقاء هذه المرة سيمتد فترة عملية وعلمية طويلة وثرية ومعطاءة، وقد أثار انتباهي إخلاص الدكتور صالح لتخصصه الدقيق عن السيرة نظرياً وبحثياً، وركز جهده وتفكيره ونظامه الذهني على هذا التخصص، وهذه مزية علمية منحته حيويةً متصلة في تطوير بحوثه وبناء منظومته المفاهيمية بتركيز متعمق، وزاد على ذلك تتبعه لمظان الملامح السيرية حتى في النصوص غير السيرية، لدرجة أنه حين دخل لتويتر عمر تغريداته بإضاءات مصطلحية وبتساؤلات بحثية تلفت نظر كل من تابع حسابه في تويتر، مما جعل حسابه بمثابة محاضرات تفاعلية وبحثية مفتوحة على الجمهور العريض، وتغريداته في هذا الحقل تشكل منظومة بحثية لو اجتمعت في كتاب لأصبحت مرجعيةً مساندة لبحوثه الأكاديمية، مع فارق مهم ولافت هو التركيز الشديد والعميق في التغريدات وكأنها مختصرات علمية مكثفة، وعبرها يتم نشر الوعي النقدي حول في مصطلحات البحث في خطاب السيرة ومفاهيم القيم السردية فيها وصيغها ليس المتنوعة فحسب بل المتجددة، حيث يظل يطرح احتمالات مفاهيمية عبر طريقته في التساؤل عن ظواهر سيرية يلتقطها من ملاحظاته على مجريات الخطابات وتنوع الخطابات في تصنيفات نقدية متنوعة لكنها تضمر قيماً سيرية ظل الدكتور صالح يتلمسها مستخدماً الملاحظة الأولية ثم منهجية التساؤل الى أن يثبت المفهوم ويحرره ليكون معنى معمقًا ومبرهناً بالقياس والاحتمالية العلمية.
هذه مزية عملية أكاديمية لأي باحث يخلص لتخصصه الدقيق ويركز عليه ويحمي نفسه من التشتت المعرفي الذي يصيب كثيراً من الباحثين فيجعلهم يضيعون طاقاتهم في توسيع الاهتمامات حتى ليتضارب بعضها مع بعض، وهذه لمحة تحصن صالح معيض دونها حين ألزم نفسه بعقد علمي موثق مع التخصص، خاصة أن التخصص في السرديات السيرية هو من التخصصات القليلة ويلامسه الكثيرون دون تركيز كما يحدث في الشعريات التي تحظى باهتمام عظيم في الثقافة العربية قديمها وحديثها، بينما في السرديات كنوز بحثية، خاصة تلك المتعلقة بالسيرة وهي التي تحظى بالأقل من الاهتمام عربياً وهذا ما يجعل بصمة الدكتور صالح معيض موثقةً في مجال السيرة ونظريات البحث في السيرة وتتبع مظان السير الخفية تلك التي تأتي على شكل خطابات بمسميات تصنيفية ولا تظهر فيها السيرية إلا لدى باحث ماهر في تصيد أثر السيرة مهما تقنعت أو تخفت تحت خطاب شعري أو فلسفي أو تاريخي، وهذه هي الخاصية العلمية التي تجعل للدكتور صالح معيض الغامدي مزية تخصه ويتفرد بها.