د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
تسيّدت الرواية المشهد الثقافي في العالم العربي خلال العقدين الماضيين؛ ليأسر هذا الجنس الأدبي أقلام النقاد والأدباء، فأسست الرواية قاعدة جماهيرية عريضة في المجتمع، لتغري الكثير ممن أرادوا امتطاء هذه الموجة ليلتحقوا بقوافل مبدعي هذا الفن الذي تربّع على عرش الأجناس الأدبية زمنًا، إلا أن هذه الشعبية بدأت في التراجع تدريجيًّا فلم تعد الرواية كما كانت، فتقهقرت أقلام أساطين هذا الفن التي كانت في الماضي تأسر القراء، لينعكس هذا التراجع على جمهور هذا الجنس الأدبي الذين كانوا يرون فيه صعودًا إلى مكانٍ عالٍ لا يصل إليه إلا نخبة النخبة.
من يرصد تراجع الرواية سيلحظ تصاعدًا تدريجيًّا لفن السيرة الذاتية التي استطاعت في الآونة الأخيرة أن تزيح الأولى عن منصة الأضواء، ليكون هذا الفن هو المأوى الجديد للمبدعين ومحبي الأدب، إلا أن هذه الحالة الثقافية التي شهدت ضمور جنس أدبي وبروز جنس آخر تحتاج إلى وقفة ومراجعة من قبل النقاد الذين يرصدون مراحل تطور هذه الأجناس الأدبية.
إذا حضر الحديث عن السيرة الذاتية فلا مناص من التطرق إلى سيرة الأستاذ الدكتور: صالح بن معيض الغامدي أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود الذي تقاعد منها مؤخرًا، إلا أن رحلته مع العطاء والإبداع لم تنتهِ، فسيرته حافلة بالإنجاز العلمي والعملي، واللافت في سيرة هذا الرجل جهوده الكبيرة في رصد مراحل تطور هذا الجنس الأدبي، وتحليل خريطة السيرة الذاتية في المملكة، ولعل ذلك أحد ثمار اهتمامه بالأدب السعودي وخدمته في مختلف مراحل سيرته الإدارية والعلمية، إبان تسنّمه لعمادة كلية الآداب بجامعة الملك سعود، ورئاسته لكرسي الأدب السعودي الذي زرته قبل أشهر وسعدت بالإنجازات التي أطلعني عليها الرئيس والهيئة الإدارية بالكرسي، ويظهر لي أن د.صالح قد أدرك في مراحل مبكرة أهمية هذا الجنس الأدبي، وعمق جاذبيته التي أسرت أقلام البشر الآن، فكانت سيرته خير شاهدٍ على ما قدمه في سبيل التأصيل للسيرة الذاتية، وتشجيع طلاب الدراسات العليا على تسجيل موضوعات تَدرس هذا الفن، وتبحث في تفاصيله، وهذا الجهد الكبير هو مكان تقدير كل باحثٍ في الأدب السعودي.
لقد عرفت د.صالح الغامدي عن قرب قبل عقدٍ من الزمان عندما جمعتني به عضوية اللجنة الثقافية لمعرض الرياض الدولي للكتاب عام 1434هـ، التي كان يرأسها وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية -قبل صدور الأمر الملكي الكريم بأن تكون وزارة الثقافة مستقلة- الدكتور: ناصر الحجيلان، وقد كان د.صالح عضوًا في اللجنة، ثم مديرًا للمعرض، الذي توليت فيه الإشراف على البرنامج الثقافي، وقد لمست من د.صالح اهتمامه الكبير بالأدب السعودي، وحرصه على حضوره في برامج المعرض وفعالياته، إلى جانب حثّه لدور النشر على توفير الكتب التي تهتم بالأدب السعودي، وقد كانت جهوده الملموسة أحد أبرز أسباب نجاح المعرض ذلك العام.
يتمتع د.صالح بشخصية مرحة تجذب كل من يتعامل معه من الإداريين والطلاب، وهذا من فضل الله أن منَّ عليه بالجمع بين العلم والخلق، وهذه المسيرة الحافلة بالعطاء والإنجاز دفعت هيئة التحرير بالجزيرة الثقافية لإنجاز ملفٍ تكريمي عن هذا الرجل الذي بذل وقته وجهده في خدمة الأدب السعودي، وإثراء الحركة النقدية والفكرية في بلادنا، وبعد كل هذه الجهود في خدمة السيرة الذاتية يتبادر إلى ذهن كل متابعٍ وناقد سؤال مهم: متى سيكتب د.صالح معيض الغامدي، سيرته الذاتية؟