محمد خير البقاعي
لسنوات مضت تقدمت ببحث لندوة عقدتهاجامعة اليمامة 1436هـ عن الدكتور غازي القصيبي-رحمه الله- بعنوان. «سيميائية الأسماء في رواية «العصفورية»»وكان أحد المشرفين على المؤتمرالأستاذ الدكتور صالح بن معيض الغامدي أبو رياض، واليوم أجد أن للرجل نصيبا من اسمه في حياته، فهو رجل صالح بالمعنى الأخلاقي والعلمي، وصلاح الأخلاق والعلم هبة من الله وهبها لعباده الذين هيأهم لطيب المعشر وحب التعلم والتعليم، وهذا ينطبق على صالح الذي اتفق كل من عرفوه على براعته في التوفيق بين الآراء والخصومات بسلوك الطريقة الوسطية غير المنحازة وإن كان يجد في نفسه ميلا لرأي فإنه يمرره بذكاء وسلاسة بعيدا عن الصدام الذي اعتادته الناس، كنت منذ عرفته في رحاب جامعة الملك سعود 1417 هـ أراه يصوغ التوافق منهجا دون أن يتنازل عن رأيه ويتخذ من حجج العقل والمنطق لديه ولدى الطرف الآخرحبلا محكم الفتل يرقى به إلى الوئام وتحاشي الصدام البعيد عن طبيعة العلم. رافقته في رحلته إلى سورية لاستقطاب أعضاء هيئة تدريس وزرنا دمشق وحمص والتقينا أساتذة فضلاء فيها وصلينا معا في مسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد- رضي الله عنه- وكان في كل لقاءاتنا تشع منه فضيلة التوافق والسعي إلى الاستماع للآخر وحسن تمثيل بلده وجامعته.كان توافقه وحديثه الهادئ الذاهب إلى لب الموضوعات يقربه إلى الآخرين ويجعل حديثه يقع في السواد من حبة القلب، كانت رسالته في جامعة إنديانا إرهاصًا بالمحطة الأخيرة من اهتماماته أحب كتب السيرة في التراث ( التحدث بنعمة الله للسيوطي) (الاعتبار) لأسامة بن منقذ (مصادر السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم، النادي الأدبي، بجدة، علامات، ج7، مج2،) .وانتهى به الأمر إلى أن أصبح من أعلام دراسات السيرة الذاتية بتفرعاتها وإشكالياتها وتجنيسها وأبعاد كتابتها.
أحب الترجمة وانتقى الكتب في موضوعات تعد إضافة في دراسات الأدب العربي. (الدور العربي في التاريخ الأدبي في القرون الوسطى لماريا روزا مينوكال ط1 1 1999 م ، ط2 2009 م.
وأحب التراث وله فيه أبحاث لعل أجملها (الكرم المستحيل: قراءة جديدة في قصيدة الحطيئة «وطاوي ثلاث»، مجلة الدارة، ع4، السنة 20، 1995م.) وكتب عن التناص والسرقات وغير ذلك مما شغل الساحة الأدبية إبان مسيرته الأدبية.
الدكتور صالح متصالح مع نفسه لا يعرف الكبر والعجرفة طريقا إلى نفسه يحسن الإصغاء ولم أره في سنوات الزمالة عضو هيئة تدريس ورئيس قسم ومدير معرض الكتاب وعميدا لكلية الآداب وعضوا في عدد كبير من اللجان ومناقشا لعدد كبير من الرسائل الجامعية ( الماجستير والدكتوراه ) ومشرفا على عدد منها في جامعته الأم والجامعات الأخرى ولم ألقه مرة إلا ضحكنا لطرفة أو تحدثنا عن كتاب مؤلف أو ترجمة أو مؤتمر وهو طلق المحيا حاضر النكتة، وكان تأسيسه كرسي الأدب السعودي مرحلة من أعلى مراتب التصالح مع النفس في إيمانه برسالة هذا الكرسي، وحرصه على تطوره ودعمه له، ساعده في ذلك صفاته الأكاديمية وهويته العلمية وحبه لوطنه. صالح قادر على جمع المختلفات ومصالحة المتناقضات وهو اليوم متقاعد في همة الشباب ولعل قرضه الشعر دليل من أدلة التصالح مع النفس، فهو في شعره عاشق ولهان في ومضات تقترب من جوهر الإبداع فهو شاعر المقطعات المقطرة التي تفيض دلالة ولا تقبل الفضول في المبنى والمعنى.
أحب الرياض حبه لبلاد غامد ولكل بقعة من هذا الوطن المعطاء، كافح في الرياض وأقام صرحا من الحب والوئام والتواضع والعلم. أكمل ما أرجوه لزميل مسيرة طويلة كنا نقضي إبانها أوقاتا جميلة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود في مكتبي أو في مكتب الصديق المشترك الدكتور حسين المناصرة الذي أسهم في انطلاقة كرسي الأدب السعودي وتعميق انتمائه وخدمته الأدباء السعوديين على قدم المساواة.
صالح التوافق المتصالح مع نفسه نموذج للأستاذ الجامعي المرن وهو اليوم صاحب تنصيص (تغريدات) مفيدة عن السيرة الذاتية العربية والعالمية وله كتاب يحمل مصطلح التغريدات قبل أن تختفي باختفاء عصفورنا الأزرق البهي، وصاحب مقطوعات شعرية تنبثق من الصميم كل ما أرجوه له في ختام هذا البوح الذاتي مزيدا من الصحة وبتوفيق في إلماعاته السير الذاتية وشؤونه الحياتية، ولعل الترجمة تحظى ببعض اهتمامه فهي جمعتنا في مناسبات حتى اختطفته السيرة الذاتية حتى صرت أعتقد أن محبوبته التي يتغنى بها في ومضاته الشعرية هي السيرة الذاتية.