أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري
حصل صالح بن معيض الغامدي على الشهادة الجامعية في وقت مبكر من حياته، ثم عُيِّن معيدًا في جامعة الملك سعود التي ابتعثته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فحصل على الماجستير في عام 1404هـ/1984م من جامعة إنديانا، ثم على الدكتوراه في عام 1409هـ/1989م من جامعة إنديانا أيضًا، واختار موضوعًا غير مطروق، وتميز عن بقية أقرانه الذين كانوا يبحثون في الأجناس الأدبية التقليدية أو في الأدب المقارن.
اختار صالح البحث في «السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم»، فكان أن تسلح بثقافتين: تراثية؛ لأن الموضوع في الأدب القديم، وحديثة؛ لأن البحث قاده إلى القراءة في النظريات النقدية الحديثة وإلى تعريف شامل لفن السيرة الذاتية، وهو جنس أدبي جديد فيه جدل طويل، فانعكس ذلك على ثقافته وتحصيله، إذ أصبح فيما بعد من أهم منظري السيرة الذاتية وخادميها في المملكة العربية السعودية.
وحين عاد إلى الرياض عيّن أستاذًا مساعدًا في جامعة الملك سعود، وظل سنوات الوحيد في قسم اللغة العربية وآدابها المتخصص في السيرة الذاتية إلى أن أشرف على الزميلة أمل التميمي فحصلت على الدكتوراه في السيرة الذاتية، وكان الدكتور صالح بعد عودته من البعثة ولسنوات بعيدًا عن الوسط الثقافي منغمسًا في مكتبته يكتب بحوث الترقية إلى (أستاذ مشارك)، وإلى (أستاذ)، ثم ما لبث أن انخرط بقوة في المشهد الثقافي كاتبًا في الصحف والمجلات، ومشاركًا في الملتقيات والمؤتمرات، ومؤلفًا للكتب وعضواً في اللجان والمجالس، وأهمها: عضويته في مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض في المدة (1432-1439هـ)، ورئاسته لكرسي الأدب السعودي (1433-1443هـ).
كما تولى أعمالاً إدارية مهمة في الجامعة، وأهمها: عمادة كلية الآداب، ورئاسة قسم اللغة العربية وآدابها مرتين، وعمله رئيسًا للجنة الثقافية في معرض الرياض الدولي للكتاب عامي 1430و1431هـ، ثم مديرًا للمعرض في عام 1433هـ.
ولقد حقّق نجاحًا كبيرًا غير مسبوق في كرسي الأدب السعودي الذي تبنته جامعة الملك سعود، فأصدر الكرسي أكثر من مئة كتاب، وعقد أكثر من ندوة، وحقق عملاً نوعيًا ملموسًا لخدمة الأدب في المملكة العربية السعودية، وربما يحسن التنويه بواحد من إصدارات الكرسي الجماعية، وهو كتاب جامعي عنوانه «الأدب السعودي» شارك في تأليفه أحد عشر مؤلفًا من الزملاء والزميلات، وكل واحد أخذ محورًا وكتب فيه، في حين تولى الدكتور صالح والدكتور أبو المعاطي الرمادي التحرير والمراجعة، ويعد الكتاب أحدث مرجع في بابه، وصدر في عام 1443هـ/ 2021م، وهو معتمد في العديد من أقسام اللغة العربية في المملكة.
وقد اشتركت مع الدكتور صالح قبل ذلك في تأليف كتاب، وهو «السيرة الذاتية في الأدب السعودي: دراسات نقدية»، وصدر عن كرسي الأدب السعودي في عام 1434هـ/2013م، وأصبح مرجعًا في العديد من الأطروحات والدراسات الجامعية العليا -ولله الحمد.
وأعتز بمعرفة الزميل الدكتور صالح بن معيض الغامدي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وكان سبب التعرف عليه هو الاهتمام المشترك بالسيرة الذاتية، وكنت وقت إعداد رسالتي في الماجستير وعنوانها «السيرة الذاتية في الأدب السعودي» في المدة من (1413ـ1416هـ) أبحث عن أي معلومة ترتبط بهذا الجنس، فوقع في يدي كتاب عنوانه «دليل حصر الكفاءات العلمية السعودية من حملة الدكتوراه» من إصدار وزارة التعليم العالي عام 1412هـ، فقرأت فيه أن الدكتور صالح معيض الغامدي حصل على الدكتوراه في موضوع السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم، فذهبت إلى قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، وتعرفت عليه عن قرب، وكان ذلك عام 1413هـ، أو 1414هـ، وجلست إليه وسألته أسئلة عدة عن هذا الجنس الأدبي، ثم طلبت منه المشاركة في بعض برامجي الإذاعية، وفي جريدة المسائية التي كنت أشرف على صفحاتها الثقافية، طلبت منه نشر مقالات فيها، فاستجاب ونشر مقالاً مترجماً من رسالته.
ثم اجتمعنا بعد ذلك في مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض، ثم في كرسي الأدب السعودي، ثم في لجان كثيرة، وفي مناقشة بعض الرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه)، وخاصة في مجال السيرة الذاتية.
والزميل الدكتور صالح ذو شخصية لطيفة ومحب للعمل والإنتاج، وله مؤلفات رصينة ومهمة، منها كتابه «كتابة الذات» الذي نال به جائزة الملك عبدالعزيز للكتاب عام 1435هـ/2014م بتنظيم من دارة الملك عبدالعزيز، كما أنه مترجم متمرس، وله أكثر من عمل في هذا المجال، وحصل على (الأستاذية) قبل تقاعده بسنوات طويلة، وهو ما جعله مقصدًا للجامعات السعودية والعربية في التحكيم والترقيات العلمية.
وحين أحيل إلى التقاعد، وخرج من كرسي الأدب السعودي بعد عمل متواصل ناجح لم يركن إلى الراحة بل سعى إلى التخطيط لتسجيل جمعية تختص بالسيرة الذاتية، واستقطب لها الزملاء والزميلات المتخصصين والمتخصصات، واتجهت الأنظار إليه بالإجماع ليكون رئيسًا لها عندما تجتاز التسجيل النظامي في الجهات الرسمية.
كما التحق ببعض اللجان في جمعية الأدب المقارن وكلف بأكثر من ملف، وكلها تدخل في سياق اهتمامه بالأدب السعودي المعاصر.
وقد وظّف زميلنا العزيز حسابه في (تويتر) لخدمة جنس السيرة الذاتية، وانتخب بعضًا منها وأصدرها في كتاب عنوانه «تغريدات في السيرة الذاتية»، وصدر عن دار الانتشار في بيروت عام 2023م.
وختامًا: شكرًا للمجلة الثقافية وللزميل الدكتور محمد بن عبدالعزيز الفيصل المشرف عليها على تخصيص ملف عن الزميل الأستاذ الدكتور صالح بن معيض الغامدي فهو اسم فاعل في الساحة الثقافية ويستحق التكريم والاحتفاء.
** **
- أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام سابقًا