د.أحمد يحي القيسي
بين المرسل والمستقبل ثمة رسالة وثمة قناة للاتصال وشفرة، كما يعبر عن ذلك الألسني الشهير رومان ياكبسون، فالرسالة (مكتوبة أو مسموعة أو مرئية) هي الفكرة التي يتغيا منشئها أن تصل إلى مُتَلقٍّ ما، وما الشفرة إلا أداته التي تُبرز هيئتها، أما قناة الاتصال فهي الأسلوب الذي يطرقه المرسل لتمرير متن رسالته عبرها.
إن نجاح أية رسالة مرتهن بتلقائيتها أولاً، ثم بتلقائية الأسلوب الذي يُعَبّرُ به عنها، ومما لا شك فيه أن التواصل بين المرسل والمستقبل لا يجافيه شيء كتصنع المحتوى أو تكلف الطرائق المتبعة في إيصاله.
وفي قصيدة الهايكو تتضمن الرسالة مشهداً ورؤية، لا يسعى مبدعها لأن ترتسم في عيني المتلقي أو تطرق سمعه فحسب، بل يتوق لبلوغها ذروة اهتمامه، وتحريض نزعات التأمل الكامنة في أعماقه، ولا سبيل له إلى ذلك إلا بتوخي التلقائية مضموناً وتعبيراً. ومن كتاب الهايكو الذين تتجلى في نصوصهم هذه السمة الأديب المصري/ حمدي إسماعيل.
يلمس القارئ لنصوص حمدي تلقائية في المشاهد التي تقتنصها رؤيته، فأحد تلك المشاهد على سبيل المثال ينحصر في رسالة بريدية مستردة لم يستلمها الطرف الآخر، يقول:
«على الرسالة المردودة
ختم البريد
على شكل ابتسامة»
إن مشاعر الاستياء هي أدنى ردة فعل يمكن وصفها حال استلام الرسائل المرتجعة، لكن حمدي تجاوز ذلك الشعور بعفوية ليبعث في نصه البهجة حين تراءى له ختم البريد على هيئة ابتسامة، فكَسَرَ أفق توقع القارئ الذي كان ينتظر تعبيراً عن غضب أو حزن أو تذمر منذ قراءته للسطر الأول.
والملاحظ في أكثر من نص توقفه أمام «ساعة الرمل»، ولا عجب، فالوقت والزمن والعمر من أبرز المؤرقات التي تشغل حيزاً من تفكير الإنسان، وجريانها مدعاة للتأمل والتساؤل، وحمدي في كل مرة يؤطر مشهده برؤية مختلفة، فقبالة ساعة الرمل المعطلة يقول:
«تكدست الساعات
في الساعة الرملية المعطلة»
وهذه الرؤية أشبه ما تكون بأمنية البشر المستحيلة، تحققت صورياً في مرأى الشاعر من خلال العطل التقني الذي لا يخضع له الوقت في الواقع.
أما المشهد الثاني فيرى فيه تسرب العمر مثل تسرب الرمل، لا يُسمع له صوت كَتَكَّات عقارب الساعة الميكانيكية. يقول:
«ساعة رملية
بلا تكات تحذير
يتسرب العمر»
وأخيراً أترككم قبالة هذه الباقة المختارة من نصوصه:
الكوب التذكاري من هارديز
أثر الشفاه الباهت
يلمع بالذاكرة
***
قمر الربيع
أرفع رأسي فجأة
لابتسامه الجارة
***
تساقط الأوراق في الخريف
هي أم غيرها ؟
براعم الربيع
***
صومعة الراهب
كسرة الخبز التي مضى عليها
ألف ألف دعاء
***
أبو قردان
بينما أحدثه عن آرائي السياسية
يلتقط الديدان