بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)) (صدق الله العظيم).
فقدت عنيزة، كلها ونفر من أهله وأصحابه وزملائه وعارفي فضله، سعادة أخي العزيز الغالي المرحوم بإذن لله تعالى الأستاذ إبراهيم المحمد السبيل، الذي وافاه الأجل المحتوم إلى جنة الخلد مع الأنبياء والشهداء والصالحين إن شاء الله.
إلى جنة الخلد إن شاء الله يا أبا محمد، لقد عشت حياتك كلها إن شاء الله محبوباً مجاهداً معطاءً بلا منة ولا افتخار، بل كنت متواضعاً كريم خلق، إنساناً بكل ما تعنيه الكلمة.
عرفتك أنا منذ أكثر من ستين عاماً عندما كنا في عنيزة، وينتمي إلى أسرة كريمة، وكان والده رحمه الله من كبار رجال عنيزة، وهي معروفة بالطيب وعمل المعروف، أذكر أنهم كانوا فلاحين في مزرعة كبيرة تسمى العميري.
درس في عنيزة في مدرسة العزيزية تحت إشراف المغفور له بإذن الله الشيخ الفاضل، أستاذ أهل عنيزة الأستاذ صالح بن ناصر الصالح، ثم رحل إلى الرياض لإكمال التعليم في تلك الفترة من فترات التعليم والنهضة التعليمية.
وفي الرياض أكمل تعليمه الجامعي، أذكر أننا كنا جلوساً في بيت المرحوم الأستاذ عبدالله العبدالعزيز النعيم في الملز، نتباحث وقتها بشؤون الابتعاث كنا أربعة أو خمسة، وكان المرحوم عبد الله العبد العزيز النعيم أحد كبار موظفي وزارة المعارف، وعلاقاته قوية مع وكيل وزارة المعارف والوزير، فطلب إليهما ابتعاث كل من المرحوم إبراهيم السبيل والمرحوم محمد القدهي إلى المانيا، وهكذا تم ذلك، لكن المرحوم إبراهيم لم يكمل تعليمه في ألمانيا ورجع إلى الرياض ليكمل تعليمه في جامعة الملك سعود حتى حصل على الشهادة الجامعية في كلية التجارة، تخصص علوم إدارية ومحاسبية.
ثم بعث إلى إنجلترا أو أمريكا (لا أذكر) حتى حصل على ماجستير تخصص محاسبة وعاد إلى المملكة وتعين في البنك السعودي للتسليف مساعداً لمعالي السفير عبد الرحمن العوهلي مدير البنك. وتقاعد عن العمل الحكومي وفتح مكتباً محاسبياً مع زميله الأستاذ محمد العبد العزيز الدامغ، ولنا معه صلة قوية نجتمع دائماً، (هذه كلمة مختصرة عن سيرته الذاتية).
أما فعمله التطوعي فهو في هذا الميدان حصل على أعلى مستويات العمل التطوعي، وخاصة في بلده (عنيزة) وعندما فكر عدد من الزملاء وعلى رأسهم المرحوم إبراهيم، وأنا منهم، عندما توفي إلى رحمة الله أستاذ الجيل المرحوم صالح بن ناصر الصالح، قرر الجميع إقامة معلم تذكاري باسمه.
أقيم المعلم في قمة جبل الصنقر شرقي عنيزة، وتم تحصيل الأموال من المحسنين من أهل عنيزة وغيرهم وبُني المعلم، وكان المرحوم إبراهيم أبرز من قام بهذا الدور.
المركز عبارة عن قاعة محاضرات ومصلى ومكتبة كبيرة تضم آلاف الكتب مخطوطة ومطبوعة، من بينها رسالات الدكتوراه لأهل عنيزة وغيرهم وهي بالآلاف. قام بجمعها من كل مكان (متبرعاً) المرحوم الدكتور حمد العبد العزيز النعيم.
تقام المحاضرات أسبوعياً بعد مغرب الجمعة ويحضرها الكثير من الناس من عنيزة وعموم المملكة، وكان المرحوم إبراهيم من أبرز المحاضرين على ذلك المسرح.
علماً بأن المركز يضم أيضاً قاعات للرياضة ومسبحاً وغيرها لمختلف الأنشطة الرياضية والثقافية للكبار والصغار وأيضاً للمرأة، والمرأة تكون في وقت مختلف لا يحضره إلا النساء.
لقد كان المرحوم إبراهيم شخصاً كريماً متواضعاً عطوفاً.
شغل في المركز وأنشطته، موقع نائب رئيس مجلس الإدارة، مدة تزيد على خمسة وثلاثين عاماً، ولازال حتى وفاته رحمه الله، وكان يشارك في المحاضرات أحياناً ويلقي قصيدة شعر به، لأنه كان شاعراً مجيداً وصدر له ديوان شعر قدمه المرحوم الدكتور عبد العزيز الخويطر ولولا أن الدكتور عبد العزيز كان مقتنعاً بجودة شعر الديوان، لما كان قدم له، لأن معيار الدكتور عبد العزيز كان عالياً.
كما كان عضو مجلس المنطقة لدورة كاملة في دورته الأولى.
والمرحوم الشيخ إبراهيم والد عدد من الذكور والإناث منهم الدكتور العصامي محمد إبراهيم السبيل أستاذ جراحة الكبد، المشهور عالمياً، والذي أجرى عدداً كبيراً من العمليات الحرجة الناجحة، في كل من مستشفى الحرس الوطني، ومستشفى الملك فيصل التخصصي إلى أن تقاعد مبكراً، ومنهم الدكتورة فوزية التي رثت والدها بهذه القصيدة المعبرة عن شعورنا جميعاً وشعور أهله.
وا أبتاه!!
فقد الأب كسر لا يجبره الزمن وجرح لا يلتئم أبداً...
أبي سلاماً لوجهك الطاهر الذي قد غاب للأبد..
أوَّاهُ من نارِ الجوى أوَّاهُ
والفقدُ أشعلَ بالفؤادِ لظاهُ
جبلٌ أشمٌ حرّ من عليائه
ودوى ضجيجُ الصوت وا أبتاهُ
حُمّ القضاءُ ولا سبيلَ لردهِ
سهمُ المنايا إذ رمى أرداه
وترقرقَ الدمع السخيُّ بمقلتي
والحزن نزفٌ في دمي مجراهُ
يامن يطيبُ العيشُ في أنفاسهِ
إن أُخمِدَت كيف الهنا ألقاهُ؟!!
كان الضياء وفي حياتي بلسماً
طوق النجاة إذا احتوتني يداهُ
منْ مثلهِ في صبرهِ وكفاحهِ
جسدٌ سقيمٌ لا يحين شفاهُ
خارتْ قواهُ وما يزال متمتماً
بالحمد للرحمنِ في بلواهُ
حاكى الغمامَ ببذله وعطائهِ
ينبوعُ جودٍ لا يُطالُ مداهُ
من أين لي سندٌ وفقدُك قاصمٌ
للظهرِ يانور الدجى وضياهُ؟!
إن قد رحلت فإن موطنك الحشا
مهما يغيبُ بمهجتي مثواهُ
حتى وإن وارى الثرى جثمانَهُ
سيظل حياً داخلي مأواهُ
اجعل إلهي قبرَهُ في روضةٍ
أمطرْ عليه برحمةٍ تغشاهُ
ألقاه مع أمي بدار كرامةٍ
في جنة الفردوس يارباهُ
في يوم الصلاة على المرحوم، والمقبرة امتلأ جامع الراجحي الكبير، ومقبرة النسيم بأعداد هائلة من البشر.
وعن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول النبيُّ : إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
أما العمل الصالح فالمرحوم إن شاء الله أعماله صالحة، أما الصدقة فهذه مهمة أولاده، أما الولد الصالح يدعو له فإن هذه إن شاء الله محققة.
كذلك هناك حكمة مأثورة ((إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير، وحبب الخير إليهم، أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيامة)).
أرجو أن تنطبق هذه الحكمة على المرحوم إبراهيم السبيل وعلينا جميعاً، والله رؤوف بالعباد وإنه رحيم غفور.
**
- أخوكم/ عبد الله العلي النعيم