علي الخزيم
ـ قالت العرب: أجْمَل العَجْز ومحموده: هو العجز عن مجاراة الدنيء بدناءته، واللئيم بلؤمه والخبيث بخبثه، وهذا يعني أن هناك عجزاً مذموماً ومنه العجز والقصور عن توقير كبار السن؛ ممن يُمَيَّزون ويُعرَّفون ببعض أنحاء المملكة بأنهم (الشيبان) أي مَن بلغوا مرحلة المَشِيب بالعمر ولا عيب بهذا فهي سنة الله سبحانه بخلقه.
ـ فمن صور العجز لدى البعض النفور من مُجالسة كبار السن والتَّذمر من تَصدّرهم مقدمة المجالس أو تصدّر بعضهم الحديث بمجالس العائلة ومناسباتها، والتململ من حكاياتهم التي تصور لنا تجارب قَيِّمة قد نرى أحياناً أنها ممَّا عفا عليها الزمن؛ بينما هي عصارة تجارب ذات قيمة عالية مع التأمل بمفاهيمها ومضامينها.
ـ ومن هَضْم حقوق كبار السن تجاوز أو تناسِي نسبة القَصَص المَروي عنهم إليهم حين استذكاره بالمجالس والمنتديات؛ فهم ممَّن عركتهم الحياة وصقلت تجاربهم فنقلوا أو تركوا لنا تجارب غنية بالحِكَم والأمثال ولا يحسن إهمالها أو تناسي إعادة ونسبة الفضل لأهله.
ـ بعض كبار السن لولا ما يملكونه من شِيم وأخلاق حميدة وتربية صالحة لما حضروا كثيراً من المناسبات التي يُدعون لها، ذلكم أن منهم من يعاني من ضعف بالبصر والسمع، أو أيٍ من الأمراض المُزمنة ويرهقهم طول الجلوس، وقد ينتابهم شعور بأن الآخرين لا يدركون حالاتهم فيظنون أنهم ثقلاء أو متكبرون، لذلك يفضلون السلامة وراحة البال، وكأن أحدهم يقول:
ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً
تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جاهل
ـ عرفت العرب منذ القدم شيمة الاحتفاء بكبار السن وتقديمهم بكل مناسبة واحتفالية ومنتدى أو اجتماع يليق بهم، وتوارثوا تربية النشء على هذه السَّجيَّة وخير منها؛ فمن فضائلهم الاحتفاء بالمسنين والاستماع لما ينثرونه من قَصَص التجارب وشيم العرب، ويرون أن لا خير بمن لا يرفع قدر وشأن الكبير، وأكدها أبو العلاء بقوله:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا
َعلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
ـ فمن المؤلم أن يشعر المُسن بالمجلس بين ذويه وجماعته بأنه غريب أو كالمنبوذ كونه بين شباب أو جهلة لا يمنحونه قدره ما استطاعوا، ومما يجلب له الكآبة أحاديثهم بمحاور شبابية ومناكافات رياضية وتبادل لنكات و(طقطقات) لا تناسب سوى جلساتهم بالاستراحات بين رفاقهم، وتصيب كبار السن بالملل إذ إنهم يؤمنون بأن للمجالس قِيمها ومراسمها التي ترتقي إلى ما هو أسمى وأحكم وأجمل من غوغائيتهم.
ـ التلطف مع المسنين والاجتهاد باصطناع المحادثات الترويحية عنهم لا يُهمِل فوارق المعطيات والإمكانات المتاحة بين الأجيال، كما لا يجب أن تكون اجتهادات مرهقة لهم بساعتهم تلك.
ـ ولأنه من الإنصاف الاعتدال بالطرح؛ فإن هناك من يجلب التهميش لنفسه حتى وإن كان من (الشيبان) وقالت العرب: (ثمانية إن أُهينوا فلا يلوموا إلَّا أنفسهم؛ ومنهم الجالس على مائدة لم يُدْعَ لها، والجالس مجلسًا ليس له بأهل، والمُقبل بحديثه على من لا يسمع منه، والداخل بين اثنين من غير أن يُدخِلاه)، وقد قيل:
وَلا تَجلِس إِلى أَهلِ الدَنايا
فَإِنَّ خَلائِقَ السُفَهاءِ تُعدي