رجاء العتيبي
طبيعي جداً أن تتباين جماهير السينما حول الفيلم، فمنهم من يرى الفيلم في قمة الروعة، ومنهم من يراه عكس ذلك، ومنهم لم يهتم به، ومنهم من لم يثره العمل، وكل الأفلام تمر بهذا النوع المختلف من الجماهير، وحتى نفسر هذا الشيء الطبيعي في تلقي الأفلام السينمائية، سنلجأ إلى علم الاتصال الجماهيري فهو أقرب من يفسر هذا الاختلاف (الطبيعي)، ولو عرفناه نفهم بعضنا بعضاً، ولا يكون هناك مجال للغضب من الآراء، أو الإقصاء أو السخرية منهم، أو إن لم يعجبك فيلما الذي أعجبني فأنت لا تفهم سينما، مثل هذا يتعامل البعض مع الأنواع الأخرى من الجماهير.
هناك جمهور يُقيّم الفيلم من خلال معايير علمية في صناعة الفيلم.. وهم المتخصصون، والأكاديميون، والنقاد، وفي ضوء ذلك يقبل الفيلم أو يرفضه أو بين بين. وجمهور آخر يُقيّم الفيلم من خلال معايير نفعية، إذا الفيلم مفيد عملياً، مادياً، وأدى هدفه، كأن يناقش مشكلة اجتماعية، يكون هو فلم رائع.
وهناك جمهور يهمهم أن يكون الفيلم معبراً، وممتعاً، وفيه جماليات، ويقضون معه وقتاً جميلاً، فهو بالنسبة إليهم فيلم رائع.
وهناك جمهور يهمهم القيم الاجتماعية، والدينية، فهم يركزون على هذه القيم أكثر، فإذا تماشى الفيلم مع القيم الاجتماعية، وعزّز السلوكيات الاجتماعية، الإيجابية، فهو فيلم رائع.
إذن، طالما كل جمهور له منطلقاته، وثقافته، ومبرراته، وقناعاته، وهكذا هو في العملية الاتصالية (مرسل، رسالة، وسيلة، تحليل، متلقي، تغذية راجعة)، فلماذا إذن الخلاف، ولماذا إذن الوصاية على الذوق؟
الوصاية على الأفلام، تفسد جماليات الفنون، وتثير القلاقل، وتحدّ من انطلاقة النقاد، لأنها تصدر من جمهور واحد (أحد الأنواع الأربعة) ويريد البقية أن يفكروا مثله، وأن ينطلقوا من منطلقاته، وهذا مستحيل، فالناس ليسوا سواء، والخلفية الثقافية متباينة، ولا يمكن لأحد أن يفرض ذوقه على الآخرين، لمجرد أن الفيلم مرّ من خلال مرشحاته الثقافية، واستقبله بكل حبّ.
دراسة «الاتصال الجماهيري»، تعيننا على فهم نفسية الجماهير، وتجعلنا أكثر قدرة على التنبؤ بسلوكهم اتجاه أي فيلم، وهذا الوعي عليه أن ينتشر ويسود، وهو أهم الأعمال التي نتوقع أن تعطيها الجهات المعنية أهمية بالغة، لأنها تنتج في النهاية بيئة سينمائية متصالحة مع نفسها، وغير متشنجة.
** **
- كاتب ومخرج