د.أحمد يحي القيسي
«قراءة في تجربة الأديبة المغربية لطيفة أودهو»
لا يسير المرء بغير هُدى؛ فإلى وجهته التي لم يزرها ترافقه الخارطة، أو يستضيء بما تَهَيَّأ له من أدلة، وحتى إن كانت طرقاته مألوفة ففي كلتا الحالتين لن يتخلى عن الإصغاء لاستباقات مخيلته وهي ترسم له سيناريو الرحلة، وتتكئ في إرساء تنبؤاتها على ما يصادفه في تلك الطريق. فالتوقع سمة ملازمة للإنسان.
ولا تبتعد عن ذلك التوصيف عملية التلقي بمفهومها الفضفاض (قراءة/ مشاهدة / استماعاً)، فتفكير المتلقي يستبق خطوات المادة المسترسِلة، ليعلق على مشاجب أفق الانتظار احتمالاته التي يراهن عليها. وسهامها في الغالب لا تطيشُ، وإن حادت قليلاً عن الهدف. ولكن ماذا لو أن الوقائع جاءت مخاتلة للتكهنات؟
عندما ينكسر أفق التوقع فإن إحدى ردتي فعلٍ متباينين سترتسم ملامحها على وجه المتلقي، الأولى سلبية، تتجلى في «صدمة» أو «خيبة» تؤطر العمل بالرفض، أما الثانية – وهي عصب الحديث هنا – فإيجابية، تتمثل في «الدهشة» التي تدمغ العمل بوسم المغايرة والاختلاف.
وفي قصيدة الهايكو يُعد كسر أفق التوقع معياراً متقدماً، ومَلَكَةً عصية على التطويع إلا لقلةٍ ممن يخوضون في مضمارها، ومنهم الأديبة المغربية لطيفة أودهو. تأمل قولها:
منطقة حدودية
الأعلام
ولاؤها للريح
تلوذ لطيفة في هذا النص لمنطقية الفكرة فتصادم بها رمزية الشعار، لترتكب هذه المفارقة المدهشة، فالعلم وهو أعلى الرموز الوطنية والسياسية، يرفرف – منطقيًّا – باتجاه الريح لا باتجاه الإقليم الذي يمثله، حتى وهو في أشد الأماكن حساسية، لأنه لا يعي المدلولات المناطة عليه.
بل إنها أحياناً تجعل الغرابة مُنطَلَقاً لنصها، ففي لحظة ما تقرر متعجبةً أن العالم هادئ، لتثير تساؤل المتلقي: «وهل العالم حقًّا كذلك؟» ، لتدهشه حينئذٍ بالصورة المنطقية التي يتجلى فيها العالم كما وصفته، تقول:
العالم،
كم هو هادئ
على الخارطة
والمفارقة تأتي في أحد نصوصها شعورية، فهي لا تكسر أفق التوقع فحسب، بل تغير مسار النص في السطر الأخير، وتنقل معه مشاعر المتلقي إلى حالة من الحزن، تقول:
جارنا الطيب
حتى هنا تتحلق حوله
قبور صغيرة
وأخيراً إليكم هذه الباقة المختارة من نصوص ديوانها «نخلة الرصيف»:
أرض خلاء،
الريح
في مهب الريح
***
ليل القرية،
من فناء بيت جدي
تبتدئ السماء
***
لا طعام في المطبخ،
تحط الذبابة
على عنب السيراميك
***
بأكثر من مفتاح،
دفعة واحدة
يفتح الحارس جيبه
***
لم تقطف الصغيرة البرتقالة،
بل أعطتها لها
الشجرة