خالد محمد الدوس
ولد العالم تشارلز كولي في مدينة آن أربر الواقعة في ولاية ميتشيغان الأمريكية في 17 أغسطس عام 1864 وكان والده يعمل قاضياً في المحكمة العليا لولاية ميتشيغان وكان أحد الأعضاء الثلاثة في الهيئة التدريسية التي أسست كلية الحقوق في جامعة ميتشيغان عام 1859 وشغل منصب عميد كلية الحقوق وكان والده شخصية سياسية ناجحة للغاية وركز على تعليم أبنائه وكان تشارلز يعاني في طفولته من مشاكل في النطق وعانى في طفولته مشاعر العزلة والوحدة.. مما خلق عنده اهتماماً واسعاً بالقراءة والاطلاع الواسع. وبعد إنهاء تعليمه العام التحق بجامعة ميتشيغان العريقة وتخرج عام 1887، ثم التحق ببرنامج الماجستير في العلوم السياسية وعلم الاجتماع وحصل عليها عام 1892 وبعد حصوله على الماجستير عمل محاضراً في قسم الاجتماع بجامعة ميتشيغان ثم واصل تعليمه العالي ملتحقاً ببرنامج الدكتوراه عام 1894 في الفلسفة بجامعة كولومبيا وقتها كان مهتماً بعلم الاجتماع وعمل بعد ذلك في الجامعة ذاتها بعد حصوله على الدكتوراه التي كانت تحت عنوان: «نظرية النقل في الاقتصاد» وأشرف عليه العالم الاجتماعي «فرانكلين هنري جيدينجز».
فعاد بعد تجربة أكاديمية قصيرة قضاها في جامعة كولومبيا للعمل في جامعة ميتشيغان وقام بتدريس مقررات علم الاجتماع عام 1899، وألّف كتابه المعروف «الطبيعة الاجتماعية والنظام الاجتماعي» عام 1902 .
لعب العالم الشهير (كولي) دوراً ريادياً بارزاً في تطوير نظرية التفاعل الرمزية وهي نظرية اجتماعية تطورت من اعتبارات عملية، تشير إلى استخدام الناس الخاص للّهجة أو اللغة، لرسم صور ومضامين طبيعية، للاستنباط، والانسجام مع الآخرين. بمعنى أنها إطار مرجعي لفهم كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم بشكلٍ أفضل لخلق عوالم رمزية، وكيفية تشكيل هذه العوالم بدورها السلوكيات الفردية. بعد أن عمل بتفاعل كبير مع عالم النفس جون ديوي الذي كان زميلاً له في جامعة ميتشيغان. ويعتبر العالم كولي أول من استخدم مفهوم الجماعية الأولية في كتابه الشهير «التنظيم الاجتماعي» الذي أصدره عام 1909، وقد قام بتصنيف الروابط الاجتماعية انطلاقاً من تصنيفه للجماعات الاجتماعية والتي يقسمها إلى نوعين: جماعات أولية التي يسودها علاقات الوجه للوجه وهي علاقات بحسب كولي- مباشرة تتمثل في الاتصال المباشر بين عدد محدود من الأفراد وهي تقوم على أساس الدم والأخوة والصداقة والمعرفة الشخصية وأفرادها يتشابهون في خصائص وسمات ديموغرافية وخلفية اجتماعية وثقافية, والنوع الثاني: الجماعة الثانوية وهي توجد عادة في المجتمع الشاسع في مساحته والمعقد في ثقافته والذي يحوي عدداً كبيراً من السكان ويتميز بالحراك الجغرافي والمهني لأفراده مما يجعل التأثير وجهاً لوجه يكون مستحيلاً وبالتالي تحل العلاقات غير الشخصية محل العلاقات الشخصية وتتسم بالسطحية والنفعية. كما عمل كولي على تطوير أعماله في النظرية التفاعلية الرمزية, وقام بتقديم رأيه حول أعمال العالم الإنجليزي هربرت سبنسر على الرغم من اهتمامه بالنظرية الدارونية مع ذلك كان كولي غير متعاطف مع الاستخدامات المناسبة للعلوم المختصة بالمجتمع.
ويعتبر العالم الراحل تشارلز كولي من الرواد المهتمين بعملية التنشئة الاجتماعية وأكد أن عملية التنشئة أو التطبيع الاجتماعي تستمر طول فترة الحياة ولا تعتمد على فترة عمرية معينة, ويرى أن الشخصية متغيرة وغير ثابتة وفي حالة ديناميكية مستمرة كما يوجد مصادر كثيرة ومتعددة من مصادر التنشئة الاجتماعية حيث يرى أن عملية التنشئة الاجتماعية يوجد بها أطراف متعددة غير الآباء والأمهات والإخوان والأخوات وأطراف خارجية يمكن أن يكونوا من الأقارب أو من غير الأقارب.
كما تناول في أبحاثه العلمية الأدوار الاجتماعية حيث أكد أن كل فرد في المجتمع له دور معين وخاص يقوم به مثل الذكر والأنثى.
توفي العالم الأمريكي تشارلز كولي في 7 مايو 1929 بعد إصابته بمرض السرطان عن عمر يناهز الـ 65 سنة بعد أن قدم إسهامات علمية في تطوير علم الاجتماع كأحد المساهمين الرواد في المنظورات الاجتماعية الذين برعوا في استخدام منهج سوسيويكولوجي (اجتماعياً ونفسياً) لفهم البناء الاجتماعي, خاصة في بناء وتأسيس النظرية التفاعلية الرمزية مع الأب الروحي لها العالم والفيلسوف الأمريكي الشهير جورج هربرت ميد.