سلمان بن محمد العُمري
الميراث الذي يخلفه المتوفى سواء من العقار أو المال وغيرها تنتقل ملكيته شرعاً للورثة ما لم يكن هناك وصية وقف أو تصفية دين، ومن حين يموت صاحبه ينتقل ملكُه للورثة بحسب أنصبتهم المقدرة شرعاً، وفي الوقت الذي يبادر فيه بعض الوكلاء الشرعيين إلى تقسيم التركة، نجد أن البعض يتهاون ويتساهل في ذلك ويؤخرها بقصد أو بغير قصد مما يفضي بهذا التأخير إلى النزاع والشقاق بين الورثة، وتكثر المشكلات وتزيد الخلافات بين الأقارب جراء عملية التأخير والمماطلة حتى تصل إلى ساحات القضاء، وحتى كتابة هذا المقال كنت أتحدث مع رجل عن بعض ميراث والده الذي توفي قبل ما يقرب من الأربعين عاماً، وقال: إن ميراث والده لم يتم تصفيته بالكامل حتى الآن وقد توفي عدد من الورثة بعد والدهم ولا يزال الإرث معلقاً مماطلة وتساهلاً من القائمين على الميراث رغم استحقاق عدد من الوارثين.
ونجد كثيراً من الوارثين بحاجة ماسة إلى نصيبهم من التركة لأن البعض منهم فقير ويأخذ الصدقة والزكاة، ومن بيدهم الحل والربط من الوكلاء لا يحركون ساكناً لأنهم ليسوا بحاجة إلى عملية التقسيم.
كما ذكر لي من أثق في حديثه أن رجلاً كبيراً في السن وأثناء وجوده في المستشفى استدعى ابن أخته وقدم له «300» جنيه ذهب هي نصيب أخته من ميراث والدها قبل سبعين عاماً..!! ذهل الشاب من تصرف خاله الذي يقدم نصيب والدته بعد وفاتها وحرمانها وذريتها طوال هذه السنوات على الرغم من حاجتها له؛ فبادر على الفور قائلاً: «خذها معك في قبرك»، وسنحاسبك على جرمك وظلمك تجاه شقيقتك التي ماتت فقيرة تأخذ الصدقة والزكاة من الناس، وأنت تتنعّم بحلالها.
وهناك قصص وحكايات يرويها أصحاب الفضيلة القضاة والمحامون جراء تأخر قسمة التركة يشيب لها الرأس مما تسمع، ويحز في النفس من وجود أناس تأكل أموال الآخرين بالباطل، متناسين أو متجاهلين قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}.
إن من الأهمية بمكان أن تدرس هيئة كبار العلماء، ومجلس القضاء الأعلى، ووزارة العدل، والجهات المختصة وضع نظام يحدد موعداً زمنياً يحدد فيه قسمة التركة وعدم تأخيرها، لأن التأخير فيه ضرر على الآخرين، ويعطل الانتفاع ويثقل ساحات القضاء مستقبلاً في قضايا يمكن حلها في وقتها وقبل تداخل الورثة وتكاثرهم بين الأصل والفروع، وتقضي على الخصومات بين الأقارب، وإنقاذ الناس من المتلاعبين، والمتهاونين في أكل أموال الآخرين بالباطل، ومثل ذلك قضايا الأوقاف العائلية أو ما يُسمى بـ«الأسبال»، حيث أصبحت شائكة، ويأكلها القوي على حساب الضعيف.
نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في ديننا ودنيانا.