سهوب بغدادي
تراوحت ردود الأفعال خلال الأسبوع الماضي ما بين مؤيد ومعارض فيما يتعلق بقرار وزارة التعليم الذي صدر مؤخرًا والذي يقضي بمساءلة أولياء أمور الطلبة الذين يتغيبون بدون عذر لمدة 20يومًا، إذ عدَّ البعض أن القرار يأتي لمصلحة الطالب وتحصيله العلمي وانضباطه، ورأى البعض الآخر أن القرار قد يتعارض مع الظروف المتعددة التي قد يمر بها الطالب وذووه، بدايةً.
إن الانضباط مهم جدًّا سواء على مقاعد الدراسة أو في الحياة بشكل عام، إلا ان القرار وإعلانه كان صادمًا بعض الشيء نظرًا لعدم تصاحبه ببيان توضيحي مفصل عن الآلية التي تتم فيها مساءلة أولياء الأمور، فضلًا عن إجراءات التثبت من صحة أعذار الطالب المقدمة، وما إلى ذلك من الحيثيات التي تتطلب التفصيل والشرح لتلافي الضبابية والتأويل الذي حدث وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد الإعلان عن الخبر، بحثًا عن «الترند» والوسوم «الهاشتاقات» وإثارة الجدل والبلبلة لنيل المشاهدات، حيث قام البعض بالادعاء أن ولي الأمر سيسجن، ونتج عن ذلك توظيف للخبر بغرض التخويف، سواء كان المقصود الطالب أم أولياء الأمور، كالذي خير والده بين عدم الغياب 20 يوماً مقابل شراء سيارة له، فوافق الأب على شراء السيارة، وإن كان المقطع من باب المزاح و «الطقطقة» فإن القرارات التي تصدر يجب أن تكون في صالح جميع الأطراف وتحفظ للطرف الأهم في العملية التعليمية كامل حقوقه وإن كانت معنوية، كما عمد بعض أولياء الأمور إلى ترهيب أطفالهم بأنهم سيذهبون إلى السجن في حال غيابهم، وهذا الفعل يتنافى مع أساسيات الأمان التي يجب أن تتوفر في المربي والمنزل على حدٍّ سواء، والطالب يقوم بابتزاز المربي في المقابل, بل قامت بعض المدارس بتخويف الطلبة من تداعيات الغياب باستخدام هذا الإعلان، فقد تستغل الحسابات المعادية هذه الأخبار لتأليب الطرفين على بعضهم البعض بث التوتر في العلاقات بين الابن ووالدته ووالده، فيجب أن يكون هناك ردع لمثل هذه التداعيات المتوقعة بعد إصدار أي قرار.
بلا شك، إن الغياب مسألة سلبية، ولكن يجب أن نتوقف أولًا على مسببات الغياب من جذورها، ويعي جميع المربين أن الجائحة الصحية العالمية المتمثلة بتفشي فيروس كورونا والتي أهدتنا التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد قد ساهمت في تفشي هذه الظاهرة بشكل أكبر، فلم تكن معدلات الغياب تقارن بمحصلة التغيب الحديثة بعد الجائحة، وهذا شيء طبيعي ومتوقع في جميع أنحاء العالم، فهناك أطفال يعانون من صعوبات تعلم وأطفال يكافحون برفقة ذويهم من قلق الانفصال ومسائل وأبعاد نفسية أكثر من أن تصنف بالأكاديمية، علاوةً على كون طول أمد الدراسة والفصول الممتدة قد يساهم في ملل الطالب وذويه الذين يعدون أهم معين لضمان استمرارية العملية التعليمية وتكاملها بين المدرسة والبيت، فالأنجع أن يتم عمل استطلاع رأي لمثل هذه القرارات الجديدة لقياس مدى فعاليتها والاطلاع على الرأي الآخر الذي قد يشكل حجر أساس جوهريًّا في عملية اتخاذ القرار، كما يستلزم وضع خطة عملية لتقليص ظاهرة الغياب بشكل تدريجي، باعتبار أن الإشكالية برزت على السطح بعد فترة انقطاع غير اعتيادية وقهرية لذا فإن الحلول السريعة لن تفي بالغرض، ومن هذا السياق، يعد دور المدرسة وعلى الأخص الأخصائي الاجتماعي مفصليًّا، للتوقف على حال كل طالب ومراجعة سجلاته لفترات ما قبل وبعد الجائحة، في حال كان هناك تباينٌ في البيانات الخاصة بالانضباط، وتسخير الجهود لحل الظاهرة بالجلسات الحوارية بين الطالب والمختصين والأهالي.
ختامًا، أكبر دور وزارة التعليم ولا ننسى التدخل السريع خلال بداية الجائحة حيث قامت بإطلاق منصة مدرستي المعروفة في يوم وليلة بسواعد وطنية وذلك أمر نفخر به بين الدول المجاورة خاصة بعد إثبات جودة مخرجات تعليمنا الإلكتروني وتميزه على نظيره من المنصات والوسائل التي واجهت تحديات وتداعيات على مدار فترة الجائحة.