د. تنيضب الفايدي

اشتهرت في نجد مجموعة من الجبال، وقد رصدت في منازل القبائل، وذكر بعضها في المعلقات، وقد نالت تلك الجبال شهرة واسعة، منها على سبيل المثال جبل خزازى، يقول عمرو بن كلثوم:

وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَزَازَى

رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَا

كما ذكر جبل قطن، وارتبط اسمه بالشعر كثيراً، كما أن هناك سرية تسمى سرية جبل قطن. تسهيل الوصول للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص605)، وغير بعيد من هذين الجبلين يوجد جبل طمية، يقع جبل طميّة في منطقة القصيم، وهو أقرب إلى عقلة الصقور، وهو قريب من خط الرياض - المدينة المنورة السريع، وهو جبل يصل ارتفاعه إلى ما يقارب الـ (1300) متر، ويتميّز بشكله المخروطي وله قمة مستطيلة.

قال ياقوت في معجم البلدان (4/47): «طميّة بفتح أوله وكسر ثانيه، وياء مشددة كياء النسبة وهو من قولهم: طمى يطمي طمياً، والحقيقة أن جبل طميّة موجودٌ ومحسوسٌ وملموس في منطقة القصيم، وصخوره تميل إلى اللون الأحمر، ويوصف قديماً بأنه في ديار أسد، قال الشاعر:

تأوبني ذكرٌ لِزَوْلةَ الخَيْلِ

وما حيث يلقى بالكثيب ولا السهلِ

تحُلُّ وركنٌ من طميّة دونها

وَجَرْفاء مما قد يحلُّ به أهلي

تريدين أن أرضى وأنت بخيلةٌ

ومن ذا الذي يُرضي الأخلاء بالبخل

وأحياناً ينسب إلى قبيلة كِندة حيث تحدد مملكة كندة في نجد ما بين طمية إلى حمى ضرية، وقد ذكر امرؤ القيس طميّة في معلقته حيث قال:

كأن طمية المجيمر غدوة...

من السيل والغثاء فلكة مغزل

وقد ورد في معلقته باسم ( المجيمر) دون كلمة طمية:

كأن ذُرى رأسِ المجيمرِ غُدوة

من السيل والغثاءِ فلكةُ مِغزل

وينسب أحياناً إلى قبيلة فزارة، ولعلّ مرد ذلك أن الموقع يتم تداوله بين القبائل حسب قوتها، قال السمهري ( من فزارة ) :

أعني على برقٍ أريك وميضَهُ

بشوق إذا استوضحتُ برقاً غنانيا

أرِقْتُ له، والبرقُ دون طميّة

وذي نَجب، يا بعدَه من مكانيا

و نقل الأصبهاني قول بعضهم : طمية عَلَمٌ أحمر صعب منيع، لا يرتقى إلا من موضع واحد، وهو رأس حزيز أسود. وقال الحربي عند ذكر طريق حاج الكوفة: «وحذاؤها بئر كثيرة الماء يسرة، وعندها قصران ومتعشى، ومن عندها يرى ( طميَّة ) الجبل المرتفع يسرة، وهو على طريق البصرة، وبحضرة هذا الجبل عيون ومياه ومزارع للأعراب».

وقد وصفه علماء الجيولوجيا بأنه من الجبال البركانية أي: تشبه تكويناته تكوينات الحرة أي: تكوينات بركانية، بل قالوا: إن هذا الجبل سيثور بركانه في عام 1435هـ - 2014م، وقد مرّ العام وأثبت هذا الجبل عدم صحة أقوالهم، وهو جبل متوسط الارتفاع، ويكوّن الجبل مع ما يحيط به موقعاً جميلاً للسياحة. صيد الذاكرة للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص286).

وجبل طمية واحد من أهم المعالم الأثرية والتاريخية في المملكة العربية السعودية، وهي عبارة عن حفرة عميقة في الأرض، تشكلت بفعل العوامل الطبيعية، فتحاكت بها الأجيال وسُطّرت على إثرها قصص العشق الأسطورية، وتغنى بها الشعراء وتحاكى عنها الرواة والأدباء .

أما الأساطير التي نسجت حول جبل طميّة فهي متعددة، منها ما يتعلق بأنه جبل يعبّر عن الحبّ والعشق حيث أحبّت طمية ( الجبل ) جبلاً آخر ليس بعيداً عنها حالياً وهو جبل قطن، وكانت طميّة ضمن حرة كشب ولكن الحبّ جذبها ونزعت نفسها من الموقع حتى أتت بالقرب من قطن وأصبح مكانها في الحرة معروفاً بـ: (مقطع طميّة )، وهذا المقطع يتساوى تماماً مع قاعدتها أي: قاعدة جبل طميّة، وقد قطعت مسافة طويلة ما بين الموقع الحالي لطمية ومكانها الأصلي ( كما تقول الأسطورة) وتبلغ هذه المسافة 250 كيلومتراً تقريباً، كما أنّها لم تتمكن من زواجها بجبل قطن وإنما تزوجها جبل آخر يسمى (عُكاش) حيث ورد هذا الزواج ضمن بعض الأشعار منها:

تزوج عُكاش طمية بعدما

تأيَّم عُكاش وكاد يشيبُ

في جولة تفقدية قام بها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة إلى مناطق شمال الطائف، وعند مروره من مقلع طمية، ألهمه سحر طبيعتها وجمال مناظرها الخلابة التي تحيط بها أشجار النخيل وتلك الطبقة الملحية التي تكسو الفوهة لتزيدها جمالاً، فاستذكر سموه أسطورة العشق الشهيرة ما بين طمية وقطن في قصيدة شعرية رائعة بعنوان ( طمية ) يقول فيها :

انتزع قلبي مثل نزعة طمية

يوم هز العشق راسية الجبال

ساقها سوق المبشر للمطية

لين عاشت مع قطن حلم الليالي

وصارت اسطورة هوى بين البرية

وصار مجراها مثار للخيال

شفت الصحرا طريق مستوية

من حجرها ومن شجرها فيه تالي

الهوى خلى الجبل يتبع خويه

يزحف الأيام في روس العوالي

كيف انا والقلب والاشواق حيه

وهزني هزة طمية شوق غالي

ويبالغ العامة في هذه الأسطورة ويذكرون بأن الجبيلات التي تحيط بـ: ( طمية) هم أبناؤها من عُكاش وحتى لاتُبعد الأساطير أهمية جبل طمية فإنها ( طمية ) لها بعدٌ أدبي وعمق تاريخي وقد يطلق عليها أحياناً جبل العشّاق، وما أحلى موقعها وتلك التي تحيط بها ولاسيما أثناء الربيع.