أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أدق القرارات في نظري قرار تقييم الناس، ونعتهم بنعوت التبجيل والتقدير أو على العكس من ذلك لاسمح الله، وغالباً ما يكون المعيار الذي يتخذ لإنزال الأحكام هذه معياراً ذاتياً خاصاً جراء موقف شخصي مر بهذا المقيِّم مع المقَيَّم، مع عدم إلغاء الحكم المجتمعي الذي هو انعكاس حقيقي لمواقف عدة كان فيها هذا المقَيم أنموذجاً متميزاً للمواطنة الصادقة والانتماء الفعلي لمجتمعه المحلي. وربما كان الحكم مبنياً على أساس الامتداد القبلي أو العائلي أو حتى المناطقي.
وأدنى درجات التقييم الإيجابي إطلاق نعت (والنعم) على المعرف بنفسه، فهو في حقيقته مجرد حكم آني جاء في سياق المجاملة وإحسان الظن دون سابق معرفة وبلا دليل أو برهان، خاصة حين يكون هذا هو اللقاء الأول الذي يجمع بينهما. ومع ذلك فلا تثريب إطلاقاً على تلك الأحكام التي هي انعكاس لشخصية المقيم ونظرته للغير إلا إذا عرف خلاف ما هو في نظره، فالأصل كما هو معروف (براءة الذمة).
الرزية حين يكون القرار سلبياً، والحكم جائراً، والنعت موغلاً في الذم، إما لموقف عارض، أو مجرد ظن كاذب، أو نقلاً عن شخص مغرض، أو خلطاً بيّن من هذا المقيِّم بين (الوظيفي والشخصي)، وعدم تقدير منه لسقف الصلاحيات لدى هذا الشخص الذي صار في نظره ليس أهلاً للنعم، وربما سلب النعم من رجل يستحق هذا النعت وأكثر لسبب مناطقي أو قبلي أو عائلي مع أن صاحبنا المقيِّم هو من يذكرك دوماً بقول الله عز وجل (لاتزر وازرة وزرى أخرى).
المشكلة تكمن في سهولة إصدار أحكامنا هذه على الناس مع أن في الأثر - الذي نسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (الفاروق) من أكثر من طريق وصححه الألباني - ما يجعل معيار النعم والتزكية (السفر) و(التعامل المالي)، (هل سافرت معه، هل تعاملت معه بالدينار والدرهم؟). ذلك أن السفر يسفر عن الأخلاق التي هي الأس والمعيار، والمال هو محك النفوس وميزان الفضل ومقياس حسن العطاء والأخذ.
كلامي هذا لا يعني أنني في هذا المقال أريد سلب كلامات الثناء والمدح بيننا حتى لو كانت من باب المجاملة وتلطيف التفوس ومد جسور الكلام والتواصل اللفظي بين الجلساء، ولكن ما أحببت التنويه له أن أحكامنا العرضية خاصة السلبية أياً كان سببها ليست قطعية، ولا يجوز التعويل عليها، بل ولا حتى نقلها والتصريح بها فهي بلا معيار رصين ولا أس قوي لا ديانة حيث التقوى، ولا مجتمعاً وإنسانية حيث مكارم الأخلاق ونبل التعامل وحسن السلوك، وتنصف شرعاً في دائرة الغيبة وربما ترتقي لدرجة البهتان، إذ يقول عليه الصلاة والسلام : (أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ قيلَ أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ).رزقنا الله وإياكم (النعم الحقيقي) الذي نمدح فيه عند الرب سبحانه وتعالى وفي الأرض حيث الناس، وإلى لقاء والسلام.