حسن اليمني
فعلاً ماذا أستفيد كمواطن من إعلان كشف وزارة التجارة لملاحظات على بعض التجار ومعاقبتهم فنحن أيضاً كمواطنين كنا نعرف بهذه الملاحظات من قبل وهي مستمرة ولا زالت وإنما ننتظر علاجاً نهائياً من داخل المنظومة في العلاقة بين وزارة التجارة وتجار السلع بمختلف أنواعها بل إن الأمر أبعد من ذلك.
لا يوجد منطق لاختلاف تسعيرة سلعة بين الداخل والخارج بشكل لافت وواضح بشكل مثير للغبن برغم اختلاف حجم السوق والذي يشجع على تجويد سياسة التسويق ومرونتها إلا أن الأمر يحدث بالعكس تماماً، خذ مثالاً السيارات تجد قيمتها في أسواق مجاورة أقل كلفة وأكثر مزايا برغم أن الدخل الفردي للمواطن هنا أقل بكثير من نظيره هناك فلماذا تختلف الكلفة في القيمة بشكل يتعاكس مع المنطق سواء التجاري أو التسويقي؟، والأمر بطبيعة الحال لا يقتصر فقط على السيارات بل يتعداها إلى أغلب السلع بل يصل إلى أسعار الخدمات مثل تذاكر الطيران وأجور الفنادق وحتى تذاكر الدخول للمهرجانات والترفيه وبشكل عام تظهر الكلفة في الداخل أكبر من نظيرتها في الخارج رغم سعة السوق وكثافته بشكل لا يقارن بجواره، لا بد أن هناك أسباباً في المنظومة البينية بين وزارة التجارة والتجار تتجاوز كفاءة وقدرة المواطن في متوسط الدخل الفردي وأعتقد أن الأمر أكبر من وزارة التجارة ويصل إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط للنمو الاجتماعي بشكل أوسع بما يحتاج إلى إعادة قراءة وفهم لهيئة الاقتصاد الاجتماعي بأبعاده الطبيعية والمستجدة والمتجددة.
سبق أن سطرت مقالاً في هذه الجريدة وجدت فيه أن السعر العقاري هو سيد وعميد السوق التجاري بكل تفاصيله، ويكفي أن نقول إن متوسط الأجر للمواطن ربما لا يزيد عن سبعة آلاف ريال شهرياً في حين أن كلفة المتر العقاري السكني ربما تصل إلى ستة آلاف ريال في حين ترتفع كلفة المتر العقاري التجاري وبالتأكيد هذا يحكم كلفة السلعة ويزيد ثمنها، لكن هذا ليس كل شيء، فهناك أيضاً فلسفة الاستثمار والتسويق التجاري ومنطقه الانتهازي لدى الوكلاء والتجار بمختلف السلع وتنوعها والذي يتحصن خلف هامش ربح مبالغ فيه على حساب الخدمة وعلى حساب الاستدامة وعلى حساب التوسع والتطوير، وهناك عامل ثالث يضاف إلى العاملين السابقين وهو الفارق بين الملاءة المالية للدولة والملاءة المالية للمواطن بمتوسط الدخل العام والذي يحكمه ليس معدل دخل الراتب للموظفين بالمعدل العام ولكن بنسبة عدد ذوي الدخل الأقل من المتوسط للمداخيل المتوسطة والجيدة باعتبارنا نتحدث عن الطبقة الأوسع في المجتمع وهي الأكثر استهلاكاً بحكم الحجم الذي يعطي الصورة الأكثر وضوحاً من الاستناد على معدل ومتوسط بين الدخل التي يجمع الثري والفقير في رقم يسمى متوسط دخل في حين أن دخل موظف واحد قد يصل إلى دخل مائة موظف من أصحاب الدخل الأدنى، بمعنى أن تفاوت المرتبات أو المداخيل بين الموظفين حتى في القطاع الحكومي متباعدة بشكل لا مجال فيه للمقارنة وإن كانت في أغلبها مزايا وعطاءات للوظيفة خارج سلم الرواتب خاصة وأن الاتجاه ماضٍ إلى مؤسسة الوظائف والخدمات خارج إطار الوظيفة الحكومية إلى شبه أهلية أو استقلالية تعطي مزايا ومداخيل للموظف أكثر من مسميات الوظائف الحكومية المحكومة بالموازنة الاقتصادية لوزارة المالية.
هذه الأبعاد الثلاثة التي ذكرتها أعلاه في حاجة إلى قراءة وبحثٍ وهندسة اقتصادية من قبل وزارة التخطيط لضبط خطى التنمية ومسارها بحيث يتحاشى المسار عثرات العقد أو التعقيد في الانسياب السلس نحو صعود التنمية الاجتماعية بمواكبة الصعود في النمو الاقتصادي العام من خلال خلق العدالة وتساوي الحقوق بين التاجر والمستهلك، من حق التاجر أن يكسب ويربح ولكن أيضاً من حق المستهلك أن يحصل على السعر المناسب والجودة العالية بذات الوقت والحكم بين الاثنين وزارة التجارة والذي في اعتقادي لن تكون قادرة على التحكيم العادل ما لم يعط كل طرف حقه الوافي من خلال السياسة التنموية الكلية المناطة بالتخطيط والاقتصاد التنموي، وبمعنى أنه لا يمكن أن أطلب من التاجر تصحيح السعر ليتناسب والمنطق الاقتصادي الكلي بمقارنة مع الآخر في الخارج دون أن تتساوى الكلفة والهامش الربحي للسلعة ليتم التساوي، التاجر في الداخل يستأجر المتر العقاري بضعفه لدى الآخر في الخارج وهذه الزيادة تضاف للكلفة وهو حق مشروع وعليه ترتفع قيمة السلعة في الداخل عنها في الخارج، وهذا ينبسط أيضاً في كلفة الخدمة في الاستيراد والتوظيف والسكن والتأمين وغيره لتحمل تكلفته على دخل المستهلك المتوقف عن مواكبة تزايد الأرقام والأعداد في القيمة.
إن تصاعد أرقام السلع تبعاً لتصاعد أرقام موازنة الدولة خلق الفجوة ووسعها بين الحاجة والقدرة لدى متوسطي الدخل وما دون وهنا تكمن الحاجة للمعالجة، وبمعنى أن كشف الملاحظات من قبل وزارة التجارة على بعض التجار أو الوكالات التجارية تحت غياب الفهم الحقيقي يعتبر بمثابة عمل روتيني لا يعطي مردوداً حقيقياً لصالح المستهلك بل ربما وبحسب فهمي غير المتخصص وإنما كمواطن يعايش الحال سنستمر بهذا الوضع حتى يأتي الوقت الذي يعاد فيه النظر في السعر العقاري المنفلت من عقاله يلاحق أرقام الموازنة دون أن يلتفت إلى تعطل صعود أرقام الدخل الوظيفي منذ عقود، وليس معنى هذا أن يصار إلى إطلاق صعود أرقام الدخل الوظيفي فهذه ربما تعود بضرر أكبر وتعطي مسوغاً جديداً لارتفاع في سعر العقار بشكل أكبر ولكن القصد إعادة النظر في أرقام أسعار العقار وإعادة ترشيدها وضبطها من خلال إعادة النظر في سياسة الإسكان العقاري بما يساعد في تقليص أرقامها لتعود لحجمها الطبيعي وفي المقابل منح السوق التجاري تسهيلاً في الرسوم والضرائب وتعويض الدخل العام عن هذا التسهيل بتوسع النشاط التجاري بما يعوض هذه التضحية وربما يزيدها ولكن بطريقة أوسع.
ما يجب قوله إننا اليوم في عهد نشط وثاب يتسع استيعابه لكافة التفاصيل في بوتقة واحدة وأن من الطبيعي ونحن في مرحلة تحول واسع على كافة الجوانب أن نعيش إرهاصات هذا التحول وتقبلها كنتيجة طبيعية لا مفر منها للوصول إلى الغايات والآمال والطموحات المرتقبة، وعلى هذا الأساس نفهم أن الصعود للأفضل لا بد أن له كلفة يتوجب دفعها وهذا الفاصل الهائل بين الحاجة والقدرة أحد أهم الأعراض التي تخلقها طبيعة المرحلة، لكن ما يجب قوله أيضاً إن للصبر جزاءً ومكافأة نلتمسها في إعادة ترشيد سعر العقار أو التعويض عنه بسياسة إسكان تعتمد البعد الاجتماعي بديلاً عن البعد التجاري بما يزيد قدرة المواطن في تحقيق حاجاته وبما يوفر قدرة في الملاءة لمواجهة السوق دون زيادة كلفة على خزانة الدولة، ولنتخيل مثلاً سياسة إسكان تعتمد منح الأرض ومبلغ مليون للبناء مع اشتراط عدم البيع أو التأجير حتى سداد القرض مع ترسية توفير الخدمات لشركات المقاولات المختصة تسدد كلفتها من قبل الساكن بفاتورة شهرية، بهذا نكون أنهينا مشكلة السكن بما يرشد سعر العقار ووفرنا الخدمات دون تحميل موازنة الدولة وضبطنا استرداد القرض من خلال الحسم من المرتب ووفرنا للمواطن كفاءة مالية تساعد في تنشيط الحركة التجارية التي تولد موارد لخزانة الدولة.