د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تمت دعوة المملكة العربية السعودية للانضمام إلى مجموعة بركس ابتداءً من الأول من يناير، كما تمت دعوة خمس دول أخرى، هي مصر، والإمارات، وإثيوبيا، والأرجنتين، وإيران، وقد وضعت عدة معايير لاختيار الدول المؤهلة للانضمام، منها القوة الاقتصادية، وقوة التأثير على مستوى المنطقة، ومعدل النمو، والهيبة، وكلها صفات ومعايير تتمتع بها المملكة، كما أن المملكة تتمتع بعلاقات جيدة مع أعضاء بريكس، وكذلك الأعضاء المدعوّين، والدول خارج بركس، وهذه الصفات لا تجتمع في الدول الأخرى المدعوة، فبعضها لديه مشاكل مالية واقتصادية، والبعض لديه بعض الخلافات مع دول خارج بركس.
لا أحد ممن لديه بعض الحس السياسي والاقتصادي إلا ويدرك أن المملكة ستكون إضافة إلى بركس، وأنها بقدر ما تستفيد من بركس فإن بركس سوف تستفيد أيضاً من المملكة، وأنها ستكون رافداً كبيراً، وثقلاً وازناً على الساحة العالمية، ويعتبر انضمامها نقلة نوعية في تاريخ بركس، فهي تتمتع باستقرار دائم، وهي عضو في مجموعة العشرين، كما توفر للأسواق العالمية نسبة عالية من الطاقة، فهي أكثر دول العالم إنتاجاً وتصديراً واحتياطياً من النفط، كما أن لها تأثيراً على ضمان إمدادات السوق العالمي بكميات كافية، وسعر مناسب للمستهلكين والمنتجين، من خلال تأثيرها الكبير في منظمة أوبك بلس، والتي تعتبر العضو الفاعل الأكبر فيها كما أن ملاءتها المالية سوف تساعد بنك التنمية الناشئ على توفير السيولة المالية للدول المحتاجة إلى تمويل داخل المجموعة وخارجها، إضافة إلى أن ثقلها السياسي يعمل على خفض التوترات العالمية السائدة والتي قد تنشأ في هذا العالم المتغير والمليئ بالمنافسات والصراعات والحروب.
دول بركس تمثل اثنين وأربعين في المائة من عدد سكان العالم، وبإضافة الدول الست سوف يمثل ستة وأربعين، كما أن بركس تستحوذ على أكثر من ثلاثة وعشرين في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي الوطني، وتشكل نحو ستة عشر في المائة من التجارة العالمية، ولا شك أن انضمام المملكة سوف يرفع من هذه النسب، وبركس تتوزع بين قارة آسيا التي تمثل النسبة الأكبر من حيث عدد السكان والقوة الاقتصادية والسياسية، وكذلك قارات إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ولكل منها دولتان، ودولة في أوروبا هي روسيا.
تعتزم مجموعة بركس دراسة إصدار عملة جديدة مغطاة بالذهب والمعادن النادرة، وهذا يعني تخفيف الاعتماد على الدولار كمصدر وحيد للتبادل في التعاملات المالية، والذي ليس له غطاء سوى الثقة، بعد صدمة نيكسون المشهورة، والتي تخلت أمريكا بموجبها عن الذهب، والاكتفاء بالاعتماد على القوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في حينها تمثل ستة وخمسين في المائة من الاقتصاد العالمي، لكنها اليوم تمثل نحو خمسة وعشرين في المائة، بعد أن أخذت في الانخفاض عبر السنين، وبروز دول أخرى مثل الصين والهند والمملكة العربية السعودية.
يبدو أن الحل السريع والممكن والمتاح اليوم هو استخدام العملات المحلية في بعض التبادلات التجارية، مع ما يعتريه من مشاكل، لكن دولاً قد تراه أفضل من استخدام الدولار بسبب وضعها الاقتصادي، ونقص الدولار لديها، وأخرى تجنباً للعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من الولايات المتحدة لسبب أو لآخر، أما دول أخرى فإن التجارة البينية بين تلك الدول كبيرة جداً مما تجعل العملات المحلية هي الأنسب.
والسؤال الذي لابد من طرحه متعلق بسبب البحث عن بديل الدولار، ولاشك أن استخدامه بشكل مبالغ فيه في أمور سياسية جعلت الثقة فيه تهتز، والثقة كانت هي البديلة عن الذهب في صدمة نيكسون، فإذا قلت بحثت الدول عن بديل نسبي، والأمر الآخر هو طبع الدولار بشكل مفرط، وارتفاع الدين الأمريكي الذي يعتبر الأعلى في العالم، وبمسافة كبيرة عن أقرب الدول إليها، فقد بلغ نحو ثلاثة وثلاثين تريليوناً، بينما أقرب الدول إلى الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الدين لا يتجاوز التريليون دولار، كما أن تجميد أصول بعض الدول تجعل دولاً أخرى تفكر في ذلك، ولا ننسى أن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي يقرض بالدولار ويفرض شروطاً على بعض الدول، مما يجعلها تبحث عن حلول أخرى، وأيسرها التبادل بالعملات المحلية.
علينا ألا ننسى أن التبادل بالعملات المحلية بشكل جزئي زاد في الآونة الأخيرة، فنلاحظ ذلك بين الصين وروسيا، والهند والإمارات، وإيران و روسيا، ومصر وروسيا، وهناك دول مستعدة للتعامل بالإيوان الصيني والروبية الهندية، والعملة الروسية، لكن علينا أن نعرف أن ثمانين في المائة من التجارة البينية تتم عن طريق سويفت بالدولار، وسيظل التبادل التجاري بالدولار هو الأكبر بلا شك، حتى يتبلور عالم اقتصادي جديد يقلل من هذه النسبة بدرجة معقولة.
وستبقى المملكة ذات ثقل عالمي كبير، وتلعب دوراً في التوازنات العالمية، وتضفي على العالم مسحة جديدة في السياسة والاقتصاد.