محمد خير البقاعي
مقلقة هذه الكلمة التي يتهافت عليها المثقفون رغبة وطمعا؛ رغبة في اتساع مساحة الانتشار ورغبة فيما يوفره ذلك من ميزات، ولكن الوصول إليها لا يمر في عالمنا العربي عبر الطرق المؤدية إليها لأنها طرق ينشئها ويعبدها ويزرع جوانبها بكل ثمرات انتشار الفكر والاحتفاء بالمفكر. أقول الفكر لأن الثقافة إن لم تكن لها رؤية محلية جلية نقية تحترم العقل النقدي القائم على فلسفة متسقة وليست بقايا أفكار نلتقطها وتصبح بيضة القبان في أحاديثنا ومفخرة في منتدياتنا نستهلكها مدة حتى إذا عثرنا على بديل تجاوزناها دون أي رابط عبور فتأتي كتاباتنا التي مجدناها ومجدها معنا الطافون على وجه الماء زبدا بتكاثف ثم يتوارى لمصلحة زبد جديد، العالم اليوم لا يحتمل الثقافة الهشة وفيه مركزية يراها حيثما يريد في بلاد قد لا يكون لها في الأذهان أبعاد عالمية كافية، ولكنها تفاجئنا بنمط عال من التفكير يفرض نفسه ويكسب الرهان العالمي أدبًا وفنا وموسيقى متجاوزا حاجز اللغة وربما يزهر ويثمر في بيئة معادية.
الثقافة العالمية بكل مساراتها نتاج عقول تبتعد عن التصريح وتدخل مسارب العقول عبر عبارة مشحونة فكرا إنسانيا وتجارب كونية يقف أمامها القارئ أصلية أو مترجمة وقفة الباحث عن بلسم لجرح غائر يحدثه تنوع اللغات ولكنه يندمل بلمسة قارئ يجد نفسه وهويته الكونية عبر الكلمات والجمل والنصوص. لن يفلح أديب أو موسيقي أو رسام يضع في حسبانه أنه يكتب أدبًا عالميا ينبغي أن يقدم للعالم أصلا وترجمة، ولا موسيقي يطرب لما يبدعه لحنا ولا مخرج يصنع فيلما. عندما يضع الجميع في أذهانهم وأهدافهم صورة الإنسان المتعطش إلى رقي الفكر وبعد النظر القريب من العرافة، المتدثر بدثار الجمال مخبرا ومظهرا حينئذ تفتح الثقافة العالمية ذراعيها بلا ثمن ندفعه للمترجمين والناشرين كتبا قلما تحقق الأهداف التي انتقلت من لغة إلى لغة ومن فكر إلى فكر من أجلها ولا تصح في هذا السياق مقولة كمقولة ( كي تكونوا عالميين كونوا محليين)، فالسحر موجود في أدق التفاصيل الصغيرة التي تحيط بنا). الترجمة واحدة من سبل العبور إلى العالمية ولكن بشروط ؛ منها أن تكون طوعية مختارة ، لها حقوق، لا أن تدفع المؤسسات أو الأفراد تكلفتها ولا أن يتكسب: أشباه المترجمين من موائد أصحاب الطموح المشروع ؛ولكن الطريق لا تؤدي إلى الهدف المنشود. فليقف المثقفون أمام ضمائرهم ليفكروا بما دفعوه أو تخلوا عنه لتصدر كتبهم وكم العدد الحقيقي المطبوع وأن يتنبهوا إلى ألاعيب بعض الناشرين الذين يتحولون إلى أصحاب مخازن لعرض الكتب التي لم يدفعوا لها قرشا، بل جنوا منها أموال المؤلف أو المؤسسة، وهم يرددون: لا سوق لكتابك! ناهيك عمن يدفعون لدور نشر غربية ولا يعلمون ٍأن الكتّاب عندهم يعيشون متفرغين من مردود كتاب أو كتابين عالميين. الطريق إلى العالمية يبدأ من نفس المؤلف؛فقد ترجم الألمان والإنجليز مئات الدواوين والكتب التراثية العربية التي أصبحت مصدر إثراء لثقافتهم لم ندرسه حتى اليوم.؛ أحد ملامحه عند غوته مثلا وغيره من شعراء وكتاب صار أدبهم عالميا وترجمهم الناس عندنا ولمحوا التأثيرات ولكن تأثير حركة ترجمة الشعر العربي القديم في الأدب الألماني درسها الدارسون على استحياء ما أريد قوله: إن الهجمة على العالمية في مجال الثقافة والفكر ومنها الأدب ما زالت خبط عشواء وتحتاج إلى أصالة فكرية وإتقان لآلة التعبير واعتزازا بما نبدع وقناعتنا بأنه يفتح لنا أبواب العالمية عندما نحترم الأسس والمقاييس المؤسسة لذلك.