سلمان بن محمد العُمري
تناولت في هذه الزاوية مؤخراً موضوع تأخر قسمة التركة والميراث في مقال بعنوان: (تأخّر قسمة الميراث زلزال يهدم الكيانات الأسريّة) وبينت ما يترتب على التأخير من أضرار نفسية واقتصادية واجتماعية على بعض الورثة، وأنه قد يقضي بعض الورثة سنوات في أروقة المحاكم، ويدخلون في نزاعات لا تنتهي، بعد استحالت الحلول الودية بينهم نتيجة مماطلة القائم على الميراث واختلاف الورثة فيما بينهم أو إنكار حق بعض الورثة.
وقد تلقيت سيلاً من التعقيب على هذا الموضوع عبر وسائط شتى بل مكالمات لأشخاص لا أعرفهم، وقد رأيت من الأهمية بمكان أن أعيد الكتابة مرة أخرى لا عن الأصداء الكبيرة التي جاءت بعد نشر المقال، بل للتأكيد مجدداً على حجم المشكلة الكبير، وتبعاتها النفسية والسلوكية والمالية والاجتماعية والأمنية، جراء المماطلة والتسويف.
اتصالات عديدة ممن أعرف ولا أعرف، ورسائل متعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من يقول أصبحت جداً وأبي توفي وأنا شاب ولا زالت بعض أملاك أبي بيد بعض الورثة ينتفعون بها أو مهملة ونحن محرومون منها، وهذا لا يتوقف على أصحاب المؤسسات والشركات العائلية فحسب بل حتى على المستوى البسيط بين الناس، وهناك مؤسسات عائلية اندثرت بسبب تنازع الورثة وخلافهم وقد ينتهي بها المطاف ما بين شركات التصفية ومكاتب المحاسبين لإعلان التفليس وقبلها المحاكم، ويقول آخر: إن أخي الأكبر -رحمه الله- كنا نقدره ونجله ونحترمه ونعده في مقام الوالد ولكنه تأخر في توزيع بعض أملاك الوالد والآن أصبح يشاركنا الورث والمطالبات أزواج الأخوات وأبناؤهن بعد أن انتقلن إلى -رحمة الله- ولم ينلن نصيبهن في حياتهن، وآخر يقول: إن مزرعة الوالد مهملة منذ أكثر من عقدين وتراجعت قيمتها لأقل من النص فقد مات الزرع ونهبت المعدات وجفت الآبار وصارت المزرعة خراباً وصكوكها والعقارات الأخرى لم تجدد إلكترونيًا والوضع أصبح مختلطاً بين حقوق الأبناء والبنات والأحفاد والأسباط الذين أصبحوا بالعشرات بعد أن كانوا قلة.
والحل الأول بلاشك هو بعد توفيق الله بيد من سيورث المال والعقار في أن يتلافى المشاكل قبل وقوعها، لأن البعض من المرثين سواءً من الأفراد أو ملاك المؤسسات والشركات العائلية لا يرتب لمثل هذه اللحظة التي ستأتي بعد وفاته وتنازع الورثة فتراه يترك الحبل على الغارب حتى إذا توفاه الله بدأت الصراعات وربما التناحر بين الأبناء والتي كان من الممكن تجنبها بقليل من الترتيب والتنظيم في ضل حياة الرجل وتبيان ما له وما عليه وما عنده من وصايا وأوقاف؛ فالحل يبدأ من المورث قبل وفاته بكتابة الوصية وضبطها وبيان ما له وما عليه وما يريد وقفه، ومن يوصي له بالإشراف على تنفيذ وصيته، لئلا تكون المحاكم ومكاتب المحاماة طريقاً للحلول، ومنعاً للخلافات بين الورثة.
والحل النظامي كما يراه أحد الإخوة في أن يصدر تنظيماً يُخول المحاكم الشرعية بالتدخل في إنهاء توزيع تركة المتوفى بعد مرور ستة أشهر من وفاته، إذا لم يتم توزيع الإرث وحصره ولم يبت الأمر في التركة ما بين الورثة، لأن مسألة إطالة أمد التوزيع لسنوات أو عقود طويلة فيه مظلمة بكل ما تعنية المظالم على الورثة.
وهناك تجربة إيجابية في قطر، فقد تم صدور قرار من مجلس الوزراء هناك ينص على أنه إذا لم يتفق الورثة على القسمة خلال مدة شهر من وفاة الوارث فتستلم لجنة مختصة لها كافة الصلاحيات زمام الأمور لتقسيم الورثة، وأتمنى أن تبادر الجهات الحكومية المعنية وفي مقدمتها وزارة العدل بدراسة الموضوع وبحث المشكلة واقتراح الحلول المناسبة لها.